بدر بن دهام الحمدلله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
لقد زعم من زعم من المؤرخين ومن بعض النسابة أن عقب الصحابي الجليل خالد بن الوليد قد درج وانقرض , وبناء على ذلك أنكروا كون قبيلة بني خالد الحالية ترجع إليه , إلا أن هذه الدعوى بعد التحقيق والتقصي لا تثبت ولا تستقيم وبيانها كالآت:-
الذين ادعوا انقطاع ذرية خالد بن الوليد اعتمدوا في دعواهم على أمرين:
الأول: أن عدد أولاد خالد بن الوليد بلغوا أربعين ولدا كلهم ماتوا في طاعون عمواس عام 17هـ , ومن قال بهذا القول الإمام ابن حزم الأندلسي.
إلا أن هذا الكلام غير صحيح وذلك أنه ثبت في بعض الأحاديث والمشاهد وجود أفراد ومشاهير من ذرية خالد بن الوليد بعد طاعون عمواس بسنوات ، ومن ذلك ما جاء في صحيح الإمام مسلم[1] حيث قال:
"وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس قال ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه فقال إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك ((قال ابن شهاب فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله))
أنه بينا هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري مهلا قال ما هي والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين قال ابن أبي عمرة إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها ..."
وخالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي من التابعين وقد ترجم له الإمام الذهبي في السير , والإمام الرازي في الجرح والتعديل, وذكره ابن حبان في الثقات , وطاعون عمواس كان في زمن عمر عام17هـ , وعلى هذا لا يصح القول بالإنقطاع بهذه الحجة.
وأيضا والده المهاجر بن خالد بن الوليد كان أحد قادة جيش الإمام علي بن أبي طالب في معركة وقعة الجمل وفقأت عينه فيها عام36هـ , وكان أيضا أحد قادة معركة صفين وقد قتل فيها عام 40 هـ[2].
وأيضا جاء في كتب التاريخ أن عبدالرحمن بن خالد بن الوليد أحد قادات جيوش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وكانت وفاته عام 46هـ.
وذكر ابن خلدون في تاريخه[3]:
"أن أحد أحفاد خالد بن الوليد خلال القرن الثاني للهجرة والياً على القطيف وهجر.."
قال الشيخ محمد بن سعيد العرفي في كتابه موجز سيرة خالد بن الوليد[4]:
" إن المنتسبين إلى خالد بن الوليد أولوف مؤلفة منتشرة في أقطار متعددة ولا يعقل تواطؤ هؤلاء كلهم على الانتماء إلى شخص لا وجود لذريته ؛ لأنهم يزيدون على مقدار التواتر الذي يرجح ولو كان نصيا لا تقوم عليه بينة , ولأن الانتساب إلى خالد خالٍ من المطامع الدنيوية ، خاصة وأن التواتر من الأسباب الموجبة للعلم إضافة إلى أن الناس مؤتمنون على أنسابهم"
الثاني: أن أيوب بن سلمة المخزومي ورث دارا لخالد بن الوليد في المدينة , وبُني على هذه الواقعة انقطاع ولد خالد بن الوليد وإلا لما ورثها أيوب مع وجودهم.
والقول بواقعة وراثة أيواب أول من أدعاها وقال بها هو محمد بن الحسن ابن زبالة المتوفى عام 199هـ في كتاب أخبار المدينة[5] .
وكل من قال بهذا القول بعده فقد روى عنه وأخذ منه كالزبير بن بكار (ت256هـ), ومصعب الزبيري (ت236هـ).
وابن زبالة هذا من المجروحين المتهمين بالكذب عند العلماء[6]:
قال ابن هشام بن مرثد عن ابن معين: كذاب خبيث لم يكن بثقه ولا مأمون يسرق.
وقال البخاري: عنده مناكير.
وقال ابن معين: كان يسرق الحديث.
وقال أحمد بن صالح المصري: ...تبين لي أنه كان يضع الحديث يكذب بالحديث- فتركت حديثه.
وقال الجوزجاني: لم يقنع الناس بحديثه.
وقال أبوزرعة: واهي الحديث.
وقال الآجري عن أبي داود: كذابا المدينة: محمد بن الحسن بن زبالة , ووهب بن وهب أبوالبختري.
وقال النسائي: متروك الحديث.
كما أن ابن زباله ضعيف وسيء في الأنساب قاله عنه الساجي وضع كتاب مثالب الأنساب فجفاه أهل المدينة[7].
وبناء على هذا تكون روايته في واقعة الإرث لا تصح ولا يُبنى عليها انقطاع عقب خالد بن الوليد.
وأيضا أيوب بن سلمة الذي أدعى أحقيته بوراثة دار خالد بن الوليد أتهمه العلماء بالكذب , فقد قال ابن حبيب البغدادي: " كذابوا قريش: عبدالله بن عنبسة , وأيوب بن سلمة بن الوليد المخزومي .... وكان يقال إنه لا يخرج الدجال وواحد من هؤلاء حي لأنهم دجالون والدجال الكذاب"
وقد نص ابن حجر في كتابه الأصابه في تمييز الصحابة 2 /372, على أن أيوب بن سلمة كذاب.
وعليه يكون ابن زبالة كذاب ومن أدعى أحقية الوراثه وهو أيوب بن سلمة كذاب أيضا ويكون البناء على هذه القصة من كون عقب خالد بن الوليد أنقطع باطل.
ومع هذا كله فقد ذكر العلماء أن خالد بن الوليد جعل هذه الدار التي في المدينة صدقة لله , وما كان لأولاده أن يبحثوا عن هذه الدار بعد أن تصدق بها[8] ,بالإضافة إلى أنه وجد في المدينة من هو في نفس درجة أيوب بن سلمة من حيث العصوبة لخالد بن الوليد وهو خالد بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة ومع ذلك لم يشاركه في الميراث , وقد خاصم إسماعيل بن الوليد بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة , أيوب بن سلمه في هذه الدار وكان يقول إسماعيل: هي صدقة أي فيدخل فيها القريب وإن بعد , وإسماعيل هذا يكون ابن أخ خالد بن هشام بن إسماعيل المتقدم ذكره[9].
وهذا مما يطعن في خبر الميراث فلو صح أمره لكان خالد بن هشام شريكا له في الميراث , ومما يشكك في هذه القصة أنه يستبعد جدا أن تبقى دار خالد بن الوليد هذه خالصة لنسله من الذكور , ولا يورث النساء من نسله منها شيئا أم أنه لم يكن له إناث أو عقب منهن أيضا![10].
وقد ذكر بعض العلماء أن انقراض ذرية خالد بن الوليد كانت في المدينة المنورة فقط ، ولم ينقرض كل عقبه , بل كانوا متوافرين في خارج المدينة المنورة.
وممن أثبت الذرية الخالدية من علماء النسب:
الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني ,والحافظ جلال الدين السيوطي , والحافظ ابن كثير , والعلامة ابن الجوزي الحنبلي , والسمعاني , وتاج الدين السبكي , والعلامة ابن الساعي ,وشيخ الإسلام سراج الدين الرفاعي , وابن الفوطي الشيباني الحنبلي , والحافظ عبدالغفار بن اسماعيل , والصفدي , واليونيني , والقزويني , وابن الصابوني , والأسنوي ,وعبدالحفيظ الفاسي , ومحمد كمال الدين العزي , وشمس الدين السخاوي , والشطي , والمحدث شمس الدين الذهبي , والعماد الأصفهاني , وابن الحنبلي , وغيرهم كثير[11] , وإليك بعض النقولات:
- قال الحمداني (ت 670) في سبائك الذهب[12]:
" بنو خالد بطن من بني مخزوم يدعون النسب إلى خالد بن الوليد"
وهذا النقل قاله في القرن السابع الهجري , وأن بني خالد في ذلك الزمان يقولون أنهم من ذرية خالد بن الوليد فهذا القول عمره 800 سنة في زمن الحمداني , وبني خالد في ذاك الزمان تناقلوه ممن كان قبلهم أباً عن جد وكابرا عن كابر[13].
- وقال صاحب كتاب عشائر الشام عن بني خالد:
" بنو خالد: من بني مخزوم العدنانية وانتشر الكثير منهم في العراق , ونجد , والشام وبلاد أخرى , بادية وحاضرة . وفي -كتاب- ابن الأثير أن ذرية خالد المخزومي رضي الله عنه قد انقرضت ,ولكن السبكي وعبدالغافر , والسمعاني ,والبقاعي نصوا في طبقاتهم وتواريخهم على وجود الذرية الخالدية , وترجموا مثيرا من أكابر رجاله , وما رواه ابن الأثير من انقراض عقبه إنما كان في المدينة المنورة وليس على وجه الإطلاق , وبناء على ما ذكره الثقات من المؤرخين فإن بني خالد هي ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه وهذا هو الصحيح ولا يمتنع دخول أحلاف معهم من أشراف القبائل"[14].
- وقال أبوعبدالرحمن الظاهري[15]:
" ونفي العقب من خالد عدم علم وليس علما بالعدم , لا سيما أن النفي هنا غير قابل للحصر في العادة".
وقال أيضا[16]:
"وقد رجحت فيما سبق أن لخالد بن الوليد رضي الله عنه عقبا".
- وقال الشيخ البسام في كتابه الروض البسام[17]:
" قال بعض المؤرخين بانقراض ذرية خالد بن الوليد وهذا خلاف المشهور والمتواتر" ثم قال: " وأن الأكابر من المحدثين والفقهاء قالوا بانتشار العقب الخالدي , وأن هذا الذي صح وتواتر ورواه قبائل العرب وهم الحفظة لأنسابهم بلا دفاع"
- وقال أحمد وصفي زكريا:
بعد أن عد منازل بني خالد قال عن الشيخ عبدالكريم باشا الرزاق الدندن المتوفى عام1343هـ : " ويذكر عن المرحوم عبدالكريم باشا أبوالشيخ الحالي أنه نال رتبة الباشوية في عهد السلطان عبدالحميد , وكان يأخذ هو وأفراد عائلته قسما من أوقاف جامع سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه في حمص , لدعواهم الانتساب إليه أو إلى عشيرته من بني مخزوم"[18]
- وقال المؤرخ العثماني أيوب صبري باشا:
" وتنقسم قبيلة بني خالد إلى قسمين: أحدهما: ينتهي إلى الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه . وأما القسم الثاني: فينتهي إلى إخوته وأبناء عمومته ,وكلاهما من جماعة بني مخزوم ,كما أن بني مخزوم من البطون الكرام لقبيلة قريش[19]"
وبناء على ما قاله أحمد وصفي المتقدم وما قاله المؤرخ العثماني يتضح لنا أن الخلافة العثمانية بما فيها من علماء وحكومة ومعرفة بالتاريخ يرون أن قبيلة بني خالد من ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه حيث أنهم قسموا من أوقاف ابن الوليد للشيخ عبدالكريم باشا الدندن لانتسابه للذرية الخالدية.
- وقال محمد بن يوسف الخالدي[20]:
" لا فرق بين خالد حمص وخالد الحجاز وتقسيم بعض مؤرخي الأنساب لبني خالد إلى قسمين خالد الحجاز وخالد حمص- هو تقسيم جغرافي لأماكن تواجدهم وفيما عدى ذلك فإنهم أينما حلوا وارتحلو ومهما تحالفوا وتخالطوا واندمجوا فهم قبيلة واحدة تنتسب إلى خالد بن الوليد من بني مخزوم"
ومثل هذا القول نص عليه أبوعبدالرحمن الظاهري في كتابه أنساب الأسر الحاكمة ج2 ص57.
- وقال رؤوف سبهاني[21]:
" بنو خالد قبيلة من القبائل المخزومية القرشية من بني عدنان , وهي قبيلة منتشرة كانت تملك الأحساء والكويت"
- وقال المؤرخ اليماني المطهر بن محمد الجرموزي عن بني خالد[22]:
" ولم يزل ذكرهم يتجدد عندي ونسبهم وأنهم من بني مخزوم وأن خالدا المذكور -هو- خالد بن الوليد".
- وقال خالد بن فهد الشويش[23]:
" ومن ذرية أبناء خالد بن الوليد تكونت غالبية قبيلة بني خالد المعروفة اليوم والمتشرة في أقاليم متعددة".
- وقال محمد بن محسن فالح مهيدات[24]:
" بنو خالد ينحدر هؤلاء من البطل الإسلامي خالد بن الوليد المخزومي القرشي...".
- وقال علي نعمة الحلو[25]:
" بنوخالد من قبيلة بني خالد العربية ذات الشأن ويرجعون بنسبهم إلى خالد بن الوليد ,كانت منازلهم على ساحل الخليج العربي ثم استوطنوا جنوبي الأحواز ..."
- وقال محمد سليمان الطيب[26]:
" وقد عرف بنو خالد القطيف منذ قرون , فقد كان أحد أحفاد خالد بن الوليد خلال القرن الثاني للهجرة والياً على القطيف وهجر..".
إلى غير ذلك من النقولات التي تنص على وجود ذرية خالد وان قبيلة بني خالد الحالية ترجع لنسل خالد بن الوليد مما لا يمكن حصره من كتب التاريخ والأنساب.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] صحيح الإمام مسلم برقم 1406.
[2] أسد الغابة ج5 / ص265.
[3] انظر: تاريخ ابن خلدون ج3 ص110.
[4] ص 107- 110.
[5] وفاء الوفاء ج3 ص60.
[6] انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر , الضعفاء , الدوري , أحوال الرجال , الجرح والتعديل لابن أبي حاتم , الكامل ,المجروحين.
[7] تهذيب التهذيبج5 ص71.
[8] قال ابن الجوزي في كتابه صفة الصفوة : "ولما عزله عمر بن الخطاب لم يزل مرابطا بحمص حتى مرض فدخل عليه أبو الدرداء عائدا فقال إن خيلي وسلاحي على ما جعلته في سبيل الله عز و جل وداري بالمدينة صدقة قد كنت أشهدت عليها عمر بن الخطاب ونعم العون هو على الاسلام وقد جعلت وصيتي وإنفاذ عهدي إلى عمر فقدم بالوصية على عمر فقبلها وترحم عليه . ومات خالد فقبر في بعض قرى حمص على ميل من حمص سنة إحدى وعشرين"
[9] انظر: وفاء الوفاء
[10] انظر: سيف الله المسلول خالد بن الوليد قاهر الأكاسرة والقياصرة ص510 وما بعدها.
[11] انظر: الخوالد وتاريخ إمارة الجبور للشعيبي ص10
[12] سبائك الذهب ص66.
[13] انظر: الخوالد ص64.
[14] انظر: عشائر الشام ج4 ص198. و كنز الأنساب ومجمع الآداب للحقيل ص 249 وما بعدها.
[15] انظر: أنساب الأسر الحاكمة في الأحساء ج2 ص6.
[16] المرجع السابق ج2 ص 57.
[17] الروض البسام ص8 18.
[18] عشائر الشام ص445 وما بعدها.
[19] مرآة جزيرة العرب ص145.
[20] انظر: قبيلة بني خالد في الجزيرة العربية ص114.
[21] أنساب القبائل العربية في إيران (خوز ستان) ص149
[22] انظر: تحفة الأسماع والأبصار ج2 ص643.
[23] الموروث الخالد لبني خالد ج1 ص6.
[24] انظر: كتاب عشائر شمالي الأردن ص231.
[25] انظر: الأحواز قبائلها وأسرها 4 / 71.
[26] انظر: تاريخ ابن خلدون ج4 ص 110 , وموسوعة القبائل العربية ج3 ص310.
"هذا البحث جزء من مسودة كتاب تحت الجمع"
من إعداد:
سلمان بن عبدالله العويضة.
(بكالوريوس شريعة ، ماجستير المعهد العالي للقضاء، جامعة الإمام محمد بن سعود)
- - - - - - - - - - - - - - - - -
تم إضافة المرفق التالي :
image.jpeg