الاردن يعد الشيخ سعود القاضي 'شيخ مشايخ بني خالد' أحد رجالات الأردن الذين عرفوا بإخلاصهم للوطن وللمواطن وللعرش الهاشمي، سما بأعلى درجات الشهامة والرجولة والخلق الرفيع والسماحة فقد برز في تاريخ الأردن كأحد الرجالات الذين سجل لهم الشعب الأردني أعمق معاني الاحترام والتقدير مع أن تفاصيل حياتهم لا نجدها إلا بعد رحيلهم عنا، إما في مذكراتهم، حيث تنشر بعد قضاء الله بهم، وإما في كتب أو في مقالات ودراسات صحفية يقوم بمهمة كتابتها وطنيون مهتمون بتدوين سير حياة رجالات الأردن المخلصين ليبقى ذكرهم محفوظاً في ذاكرة الوطن والأمة.
ولد الشيخ سعود القاضي عام 1911 في بلدة حوشا في محافظة المفرق ونظراً لطبيعة الظروف التي كانت سائدة في تلك الفترة كان مستوى التعلم مقتصراً على القراءة والكتابة في المرحلة الابتدائية لذا تعلم القراءة والكتابة وختم القرآن في كتاتيب البلدة.
ينحدر الشيخ سعود القاضي من قبيلة بني خالد وينتسب أبناء قبيلة بني خالد في المملكة الأردنية الهاشمية وفلسطين إلى القائد العربي الإسلامي المخزومي خالد بن الوليد رضي الله عنه وهم بهذا النسب سواء أكانوا من نسل خالد أو من نسل أبنائه وأحفاده وذريته أو من أبناء أو أحفاد أفراد جيشه أو كان إلى بني مخزوم من قريش يلتقون مع أبناء عمومتهم وأقاربهم من بني خالد المنتشرون في أراضي الجزيرة العربية وشرقها وجنوب العراق وشماله وسوريا ولبنان. وحتى وقت قريب كان أبناء عشيرة بني خالد في شمال الأردن يذبحون في كل ربيع أول الذكور من مواليد أغنامهم على عتبه مقام رمزي من الحجارة كأضحية عن روح جدَّهم خالد بن الوليد. كان بنو خالد في المملكة الأردنية الهاشمية وإلى مطلع الأربعينيات من القرن الماضي ينتقلون مع مواشيهم مثل غيرهم من العشائر الأردنية من البدو الرحل، ويمكن حصر حركة تنقلهم في المنطقة الواقعة إلى الشرق من سهل إربد حول الرمثا وبين المفرق ودرعا. وفي الأعوام كثيرة المطر أو قليلة المطر على حد سواء كانت مواشيهم ومضاربهم تصل أواسط الجولان وشمال غور الأردن وتذهب شرقاً حتى مناطق الحماد ووادي سرحان. ومنذ مطلع القرن الماضي تحول بنو خالد من وضع البدو الرّحل إلى حياة الاستقرار وشرع شيوخهم من آل القاضي في شرق الأردن بالتحول في طبيعة مساكنهم من بيوت الشعر إلى بيوت من الحجر وحولها حفروا العديد من الآبار لجمع المياه في فصل الشتاء والكثير من المُغُر لخزن حبوبهم وتبن مواشيهم وأصبحت 'حوشا' الواقعة في الوسط بين الرمثا والمفرق وتتداخل أراضيها مع أراضي درعا السورية مقر إقامتهم الدائم وخاصة بعد أن أصبح المرحوم 'سعود القاضي' شيخهم في أعقاب وفاة شقيقة الأكبر الشيخ 'منصور' أما حول نسب عشائر بني خالد في الأردن فتنقسم قبيلة بني خالد إلى عدة أفخاذ يأتي على رأسها ابن سويحة وهم من فخذ الحديان وعُرفوا ب 'القاضي' أو القضاة وهو لقب أخذوه عن جدهم 'مُقبل' ثم 'فارس' الذي يوجد قبره في قرية المدوَّر إحدى قرى بني حسن القريبة من المفرق بوصفهم من قضاة الدم المشهورين بين العشائر في ذلك الحين، وحتى اليوم وتتوزع أفخاذ القبيلة الأخرى مثل 'الجبور' و 'النهود' و'الصبيحات' على قرى الحمراء بجوار حوشا والزعتري والخالدية (القحاطي سابقاً) بالإضافة إلى أفخاذ 'نبيط وطرشان' والبوادي والرطوب والعزي في قرى جديدة أخرى مثل السويلمة والدندنية والمشيرفة والدرزية والأكيدر والناصرية ومنشية البوادي كما يتواجد الكثير من أبناء قبيلة بني خالد في مدن المملكة المختلفة مثل الزرقاء وإربد والمفرق والرويشد.
كان المرحوم – الشيخ سعود القاضي شيخ مشايخ بني خالد وذلك عام 1942 حيث أصر شقيقيه الكبيرين 'كريم وقفطان' أن يتولى أخوهم الأصغر 'سعود' زمام الأمور نظراً لما يتمتع به من ذكاء وفطنه وحسن تقدير الأمور فكان يستقبل من يقصده طالباً العون والمساعدة بأشكالها المختلفة. وقد حرص المرحوم سعود القاضي على أن يقنع أبناء عشيرة بني خالد إلى التحول إلى حياة الزراعة واستغلال الأراضي الزراعية بالإضافة إلى تربية الماشية. وقد ساهم الشيخ سعود القاضي إلى حد كبير على تشجيع أبناء العشيرة على التعليم ورغبَّهم في دخول أبنائهم إلى المدارس وتفرَّغ إلى خدمتهم والاتصال والتعاون مع إدارات الحكومة المختلفة من أجل تحسين أوضاعهم وإيصال خدمات الصحة والطرق والمدارس والماء والكهرباء إلى كل قرية من قراهم وقد ساهم الشيخ سعود في جعل قبيلة بني خالد إحدى أبرز القبائل الأردنية في شمال المملكة إلى جانب القبائل العريقة المتواجدة هناك مثل بني صخر والسرحان والعيسى والسردية بالإضافة إلى عشائر أهل الجبل مؤخراً واستطاع تحويل أبناء القبيلة بفضل التحاق الكثيرين منهم إلى الجيش العربي وإقبال العديد من أبنائهم على المدارس التي انتشرت في كل قرية من قراهم من وضع البدو الرّحل إلى واقع الحياة المدنية العصرية المستقرة بحكم كونه قاضياً عشائرياً بموجب إرادة ملكية سامية، ثم جاء المرحوم الشيخ سعود القاضي عضواً في مجلس النواب الأردني في الفترة ما بين 17/10/1954 – 21/4/1963 نائباً عن بدو الشمال وبفضل دعم أبناء القبيلة للشيخ سعود جاء عضواً مرة أخرى في مجلس النواب الأردني في 20/4/1967.
وتمكن من خلال عمله في البرلمان من ممارسة دورة الوطني مع العديد من الشخصيات الوطنية المعروفة في تلك الفترة. وحل المرحوم الشيخ القاضي عضواً في مجلس الأعيان الأردني في 20/1/1979م.
جمع المرحوم الشيخ سعود القاضي في شخصية الفاضلة كل صفات الخير والمحبة فهو بحق رجل الخير والإنسانية والشهامة فذكره الطيب باقٍ بين الناس وهم يذكرونه مترحمين عليه لأنه أحب جميع الناس وشاركهم ظروفهم، فقد ذاع صيته في القضاء العشائري بالإضافة إلى كرمه وطيب نفسه فلم يرد أمرء قصده. عُرف بصفات الشجاعة والنخوة العربية الأصيلة وإكرام الضيف وإصلاح ذات البين فهو من سلالة شيوخ عشائر بني خالد الأصيلة، الفارس المقدام جامع الكلمة راص الصفوف الزعيم العشائري الذي تغنى به شعراء البادية الأردنية نظراً لحرصه على إقامة علاقات طيبة مع أبناء العشائر وشعوره بمسؤولية الهم الوطني والقومي مسجلاً في ذاكرة الوطن والزمن أروع مواقف الحق والبطولة ليصبح صاحب حضور مشهود له في قضايا الصلح العشائري وإصلاح ذات البين.
وللشيخ سعود القاضي عدد كبير من الأبناء والبنات كان من أبرزهم إبنه الشيخ تركي الذي توفي شاباً وكان معروفاً بحكمته وذكائه ومساندته لوالده في أعمال القضاء بين العشائر وإدارة ورعاية مصالح أبناء قبيلة بني خالد كما برز من أبنائه الكبار المرحومين غصاب ونواف والدكتور المرحوم طراد والمرحوم الشيخ محمد شيخ مشايخ بني خالد ومعالي السيد نايف القاضي ومعالي الدكتور حاكم القاضي وحفيده اللواء مازن تركي القاضي مدير الأمن العام السابق والنائب حيث تقلدوا مناصب رفيعة في الدولة والجيش والأمن العام.
كان الشيخ سعود القاضي موضع الاحترام والتقدير أينما حل وأينما أرتحل يحمل هموم وطنه ويحكي عنها بكل كبرياء فهو المشبع بنسيم الأردن وأخلاقيات أهله وأبناء بلده وكان الأردن بين حناياه، يتناول قضاياه بشفافية متناهية، وبروح تمتزج فيها إشارات الحب واشراقاته وتلتقي ثوابت هذا الوطن، بمكونات مستقبل أبنائه، فالمرحوم الشيخ سعود القاضي من حقه علينا أن نكتبه للتاريخ، لأنه بحق من الرجال الذين يفتخر التاريخ بسيرتهم. رحم الله الشيخ الجليل سعود القاضي شيخ مشايخ بني خالد واسكنه فسيح جناته.
موقع عمون الالكتروني - د. محمد العناقرة