السعودية ضارة نافعة، فقانون «جاستا» الذي وافق عليه الكونغرس الأمريكي بمجلسيه هو فرصة لمراجعة النفس ليس بالنسبة للمملكة وحدها وإنما لكل بلدان العالم. لكن ما يهمنا، بالطبع، هو ما يتعلق ببلادنا التي ظلت تتعامل مع الولايات المتحدة على مدى عشرات السنين انطلاقاً من حرص البلدين على تحقيق مصالحهما المشتركة.
نعم هي المصالح المشتركة والمتبادلة التي تجمعنا، وقد كنا وما زلنا نسمع الكثير من النقد المرير القاسي الذي يوجهه بعض الأمريكيين إلى ثقافتنا وعاداتنا وكل ما في مجتمعنا من إيجابيات وسلبيات.
كما أن هناك جوانب كثيرة جداً في المجتمع الأمريكي وفي السياسية الرسمية للولايات المتحدة لا تعجبنا.. لكن علاقتنا مع أمريكا لا يجب بالضرورة أن تقوم دائماً على الإعجاب أو المحبة، وإنما على المصالح المشتركة، فهذا هو المهم وهذا هو ما يصمد أمام زوابع وأعاصير السياسة.
من هنا فإن رعاية مصالحنا في ظل قانون «جاستا» هو أولوية بصرف النظر عن مدى إمكانية تطبيق هذا القانون العجيب المعيب الذي ترفعه الولايات المتحدة سيفاً في وجه العالم كله.
الكلام الذي تفوه به بعض نواب وشيوخ الكونغرس الأمريكي في المقابلات الصحفية والتلفزيونية يعكس روح الغطرسة والفوقية التي كنا نسمعها في الغالب فقط من المتطرفين اليمينين على الساحة السياسية الأمريكية. وهذه النبرة البغيضة يجب أن تفتح عيوننا على المخاطر التي يمكن أن تلحق باستثماراتنا وأصولنا في أمريكا وما قد يأتي في قادم الأيام إذا كنا سنمضي في نفس الطريق التي ظللنا نسلكها سابقاً.
لابد أن نأخذ في حسابنا أن أمريكا لم تعد بلداً آمناً للاستثمار، فهي كما يتضح من تصريحات بعض سياسييها قد لا تمنع نفسها عن التعامل مع هذه الاستثمارات بعقلية «محتجزي الرهائن» لأيّ سبب من الأسباب بصرف النظر عن مشروعية أو عدم مشروعية تلك الأسباب.
إن أفضل استثمار هو غالباً ذلك الذي نصنعه داخل بلادنا وليس خارجها، سواء كان ذلك الاستثمار في الإنسان نفسه، وهذا هو الأهم، أو في مجالات الاستثمار المادي المتنوعة. نحن نحتاج إلى التفكير بهدوء وروية وعمق في ظل تداعيات قانون «جاستا»، ويجب أن نراجع أنفسنا وسياساتنا الاستثمارية في الخارج وبخاصة في أمريكا وأن نعمل على توسيع الطاقة الاستيعابية للاستثمار في داخل بلادنا.. وفي هذا المقام أتمنى أن نراجع كل ما قلناه عن طرح بعض أسهم أرامكو في نيويورك وفي غيرها، فقانون الغاب يتربص باستثماراتنا، وأرامكو العزيزة هي كنزنا الذي يجب ألا نفرط فيه.