• ×

01:53 مساءً , الخميس 19 جمادي الأول 1446 / 21 نوفمبر 2024

الكاتب : عبداللطيف الضويحي

حقوق المرضى.. عبقرية الجهل وتسبيح الخوف

الكاتب : عبداللطيف الضويحي

 0  0  3203
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
على مدى يومين، ينعقد في الرياض المؤتمر الخليجي الأول لحقوق المرضى، بمشاركة ما يقارب 50 خبيرا لتسليط الضوء على الوضع الراهن لحقوق المريض والممارسات المرتبطة بها في المنشآت الصحية وتحسين الوعي بحقوق المريض من جهة المرضى وكذلك موظف المنشآت الصحية، وتحقيق شعار «المريض أولا» بالمنشآت الصحية في النواحي التشريعية والعملية، ووضع إطار خليجي موحد من خلال إصدار «وثيقة الرياض لحقوق المريض» حسب المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر الدكتور توفيق خوجة.
لا بد من الاعتراف بأن هناك أزمة حقوق والمتسبب بها في المقام الأول هو صاحب تلك الحقوق وجهله بحقوقه وهذا لا يقتصر على حقوق المرضى لكنه يشمل حقوق الإنسان ككل، وإن أول عدو لحقوق الإنسان هو جهل الإنسان بحقوقه، وخطورة هذا العدو لحقوق الإنسان، رغم أنه ليس العدو الوحيد وليس في كل المجتمعات، تأتي خطورة هذا العدو من أن الحقوق في الغالب لا تعطى لكنها تؤخذ ويطالب بها أصحابها، فمن يطالب بها وكيف يطالب بها صاحبها إذا كان يجهلها؟ غير أن الجهل بالحقوق هو جهل ثقافي اجتماعي وليس جهلا معرفيا. بمعنى أن التنشئة والتربية المجتمعية في بعض المجتمعات ومنها بعض المجتمعات العربية، لا ترى أهمية أو قيمة لحقوق الإنسان بمعناها القانوني، رغم أن الحقيقة كذلك هو أن هناك الكثيرين الذين يستميتون لنيل حقوقهم لكنهم يواجهون بالرفض والتنكر من عدو آخر لحقوقهم بقصد أو امتدادا لذات الجهل الثقافي بحقوق الإنسان في نفس المجتمع والبيئة والثقافة.
فهل يمكن الحديث عن حقوق المرضى بمعزل عن حقوق الإنسان؟ وهل يمكن الحديث عن حقوق المرضى بمعزل عن أخلاقيات مهنة الطب؟ وهل يمكن الحديث عن أخلاقيات مهنة الطب دون الحديث عن حقوق الطبيب ومسؤولية المؤسسات الطبية والصحية في المجتمع؟ وهل يمكن الحديث عن حقوق المرضى بمعزل عن ثقافة أسرته وثقافة مجتمعه؟ ما هي حدود خصوصية معلومات المريض؟ هل يجوز أخلاقيا عرض صور ومقاطع المرضى والجرحى بغية التأثير بمن يشاهدها للتبرع بالأعضاء أو بالمساعدة الطبية أو المادية؟ هل هناك مسؤولية أخلاقية تقع على المسؤولين الصحيين أو مسؤوليات قانونية تقع على وزارات الصحة تجاه ما ينشر من مقاطع في اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي من مشاهد تنتهك خصوصية المرضى والمصابين؟ هل يبرر الهدف الإنساني الهدف الأخلاقي بنشر تلك المقاطع؟ هل هناك معايير أخلاقية يمكن أن يخلص إليها المؤتمر تنسجم مع حجم الانتهاكات التي تعرضها قنوات التواصل الاجتماعي بقصد أو دون قصد؟ وهل يمكن تجريم مرتكبيها القاصدين أو محاسبتهم تماما مثلما يتم تجريم مرتكبي جرائم المعلومات؟
من المهم تكثيف دراسة علم الأخلاق لطلاب الطب في الكليات الطب والممرضين والممرضات والمشتغلين عموما في مجال الطب، فلا يجوز أن نطالب الأطباء وغيرهم بما لا يعرفون عنه ولم يدرسوه، ومن المهم إلزام المستشفيات والمؤسسات الطبية إيجاد إدارات ترعى حقوق المرضى وتقدمها على أي اعتبار آخر، ومن المهم رصد ميزانيات لتوعية الناس بحقوق المرضى فلا يتناقلون معلومات خاصة بالمريض ولا يجلس زوار المريض ساعات في غرفته على حساب راحته، ولا يجوز أن تبقى هيئة الغذاء والدواء صامتة أمام العشرات من المقاطع التي تتحدث عن الدواء الفلاني أو الغذاء الفلاني دون أن تنفي أو تؤكد. من المهم أن يكون في هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات المهمة والحيوية الابتكار في كل شيء: ابتكار حجم الظاهرة وابتكار سبل جديدة على رفع الوعي الاجتماعي وليس الوعي المعرفي بأهمية الاعتراف وتفعيل حقوق المرضى على المستوى الصحي الحكومي والصحي غير الحكومي في كافة دول الخليج لتعميمها. على المؤتمرين ابتكار أساليب إقناع صناع القرار بأهمية إيجاد آليات جديدة تضمن الأخذ بتوصيات المؤتمرات لتكون أحد رافدين يصبان في رسم الإستراتيجيات الوطنية والخليجية أو العربية، بجانب الدراسات.
إنها الدراسات والمؤتمرات التي يجب أن تكون مصدر القرارات الوطنية المهمة في القضايا الحيوية ولا يجوز أن تبقى توصيات المؤتمرات زوبعة إعلامية تنتهي بنهاية المؤتمرات، إن برنامج التحول الوطني مبعث أمل للالتفات للمؤتمرات واعتبارها مصدرا من المصادر التي تصب في تغذية قراراته وصولا إلى إستراتيجيات وطنية مدروسة. فمن المتوقع والمفترض أن تصدر عن هذا الموتمر المهم والذي يشارك به هذا العدد من الخبراء، ويرعاه هذا العدد من الجهات، توصيات على قدر كبير من الأهمية، والتوصيات على كل حال هي أقصى ما يستطيع أن يقدمه المؤتمرون وتقدمه المؤتمرات. لكن أكثر ما يقلق ويبعث على الأسى في ثقافة المؤتمرات هو اللجان التي يتم تشكيلها عادة بعد المؤتمر لتتولى تنفيذ التوصيات أو تذليل الصعوبات فتتحول تلك اللجان إلى مستنقع إداري بيروقراطي لا يقل بؤسا عن المؤسسات الحكومية ذاتها.

التعليقات ( 0 )