فهد الخالدي
قبل أسبوعين تقريبًا وجهت لي إحدى القنوات التلفزيونية المحلية بعض الأسئلة حول الفعاليات التي أقيمت في المنطقة الشرقية خلال إجازة منتصف العام الدراسي، ومستوى هذه الفعاليات، ومدى تلبيتها للحاجات الترفيهية للمواطنين كباراً وصغاراً، وكذلك مدى اهتمام الجهات المنظمة لهذه الفعاليات بتخصيص جزء من برامجها لفئة الشباب، وكانت الأسئلة بالصيغة التي تم توجيهها إليّ شخصيًا وربما لغيري من المهتمين بالشأن الاجتماعي تحمل إشارات بالتقصير والاتهام والنقد لهذه الفعاليات، بينما حاولت أن أجيب بشيء من الموضوعية مستشهداً بما أعرفه من خلال متابعتي لبعض الأنشطة، وكذلك حرصي على حضور أبنائي بعضًا منها؛ وقد كان الحديث طبعًا شاملاً ما تم في كورنيش الخبر امتداداً إلى بر النعيرية الذي شهد هو أيضًا بعض البرامج الترفيهية التي جذبت المتنزهين في المنطقة، الذين يحرصون على الذهاب إلى بر النعيرية كل عام. وبما أن كافة المهرجانات التي تتم في المنطقة بغض النظر عن الوقت الذي تقام فيه فربما يكون مناسبًا الحديث في هذا السياق عن بعض الفعاليات الأخرى مثل مهرجان الدوخلة الذي يقام في القطيف أو مهرجان تمور الأحساء الذي أقيم مؤخراً تحت عنوان «ويا التمر أحلى»، وخاصةً المعرض التشكيلي الذي أقيم هو الآخر أيضًا تحت عنوان «عبير الأحساء»، وهو المعرض الذي أقيم بإشراف مجلس المنطقة الشرقية للمسؤولية الاجتماعية، وشارك فيه (170) فنانًا تشكيليًا من نخبة الفنانين التشكيليين من داخل المملكة مثل الرياض والقصيم وجدة والمدينة والباحة، إضافةً إلى فنانين من دول الخليج ومصر ولبنان والعراق واليمن والسودان، وعرضت فيه (100) لوحة كل واحدة منها لفنان مختلف.
لكن ما السبب الذي دفعني لكي أخص هذا المهرجان بالذات بالحديث أكثر من غيره من المهرجانات؟.. الواقع أن لذلك عدة أسباب أحدها أنني تناولت في الاتصال الذي حدث مع القناة التلفزيونية المحلية الذي أشرت إليه في أول حديثي تلك المهرجانات، وثانيها أنني سعيد بتبني مجلس المسؤولية الاجتماعية بالمنطقة المهرجان أولاً ثم المعرض التشكيلي الذي أضاف للمهرجان مذاقًا فنيًا وربما حداثيًا آخر، والحداثة التي أعنيها ليست المصطلح الثقافي المعروف ولكن بمعنى أن اجتماع مهرجان التمور مع معرض للفن التشكيلي هو من وجهة نظري لقاء بين التراث والمعاصرة في صناعة حدث محلي سياحي واجتماعي واقتصادي في آن. ولعل هذه التجربة الناجحة بكل المقاييس تكون أنموذجًا يحتذى في المهرجانات اللاحقة سواء في المنطقة أو خارجها بحيث توظف المناسبات الاجتماعية والاقتصادية لصنع هذا التآلف الجميل ليس مع الفن التشكيلي، بل أيضًا مع سواه من الفنون الشعبية التراثية وحتى الأدبية أيضًا، وأن تكون مثل هذه المناسبات مواسم لقاء للفنانين في الدول الخليجية والعربية الشقيقة، وفي خدمة الثقافة العربية الواحدة التي هي مجموع ثقافاتنا الوطنية في البلاد العربية..
ولا شك أن التقاء أعداد كبيرة من الفنانين من مناطق مختلفة في المملكة وكذلك من دول خليجية وعربية شقيقة متعددة هو قيمة مضافة إلى المهرجان ولأية مناسبة تنهج هذا النهج، كما أن المخرجات الفنية والاقتصادية والاجتماعية والوطنية أيضًا هي قيمة مضافة للجهود المبذولة في الإعداد والتنفيذ، خاصةً وأن الورش الفنية التي أقيمت على هامش المعرض هي مناسبة لتنمية مواهب الفنانين الشباب والموهوبين، إضافةً إلى مساهمة المعرض بحد ذاته في إتاحة الفرصة للفنانين لتبادل الخبرات والأفكار وتوثيق عرى التواصل فيما بينهم، وبناء علاقات شخصية وثقافية يؤمل أن يكتب لها الاستمرار والتواصل فيما بينهم، وهو فرصة أخرى لبعض الفنانين المبدعين الذين لم تتح الفرصة للجمهور أن يتعرف عليهم، كما أنها فرصة لهؤلاء الفنانين أيضًا للانتشار والتعريف بأعمالهم الفنية وقدراتهم ومهاراتهم..
المهرجان الذي احتضنته مشكورة أمانة الأحساء يستحق الثناء لأكثر من سبب، وأعتقد أن كل من شاهده أو تابعه يتمنى أن يرى المزيد من أمثاله في المنطقة مستقبلاً.. أمنيات ننتظر أن نراها واقعًا ملموسًا بإذن الله-. جميل «عبير الأحساء». ويظل جميلاً.. ويظل أيضًا «ويا التمر أحلى».