العملية الاستخباراتية الناجحة التي نفذتها الجهات الأمنية في المملكة لتحرير القنصل السعودي في عدن عبد الله الخالدي، الذي تم اختطافه بطريقة غادرة أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها انتهاك صارخ للأخلاق العربية والمبادئ الإسلامية التي تعطي الضيف الأمان، علاوةً على إساءتها للأعراف الدبلوماسية والمواثيق الدولية التي تكفل للعاملين في السلك الدبلوماسي الحماية والحرية والأمان في الدول التي يعملون فيها، لا سيما وأن الخالدي يؤدي من خلال عمله في القنصلية السعودية خدمات لمواطني البلد المضيف خاصةً الحجاج وزوار بيت الله الحرام والمعتمرين وكذلك العاملين اليمنيين في المملكة وأفراد أسرهم.
هذه العملية التي نجحت بعد (3) سنوات من المحاولات الجادة لتخليصه من خاطفيه دون أن يلحق به أذى ونجاحها فيما توصلت إليه تبعث على الإعجاب نظراً لما يتصف به الخاطفون من المكابرة والعناد والاستعداد للتضحية بالمخطوف في سبيل تحقيق أهدافهم التي جمعت بين الرغبة في الحصول على الفدية لتمويل أعمالهم الإجرامية ومخططاتهم التخريبية، وكذلك مطالبهم بإطلاق سراح عدد من أعضاء التنظيم الذي ينتمون إليه الذين يقضون في السجون أحكاماً؛ جزاءً على ما ارتكبوا من جرائم يعاقب عليها القانون الإنساني، لما نتج عنها من ضحايا وهلاك أرواح بريئة.
ولعل طول المدة التي استغرقتها العملية رغم اهتمام المسؤولين بتخليص الخالدي في أقصر وقت ممكن ووعدهم بذلك، حيث لم يكن التأخير إلاّ لما عقدوه من عزم وتصميم على إطلاق سراحه سالماً وعدم تعريض حياته للخطر ودون الاستجابة لمطالب المخطوفين لأن هذه الاستجابة لو حصلت فإنها كانت ستشجعهم على تكرار عملية الاختطاف واستهداف مزيد من المواطنين والدبلوماسيين السعوديين العاملين بالخارج للحصول على مزيد من مطالبهم، وقد فوتت القيادة عليهم تحقيق هذه الغاية بالحكمة والصبر والتخطيط السليم وأثبتت بذلك قدرتها على تحقيق ما تريد دون أن يتحقق لهم ما أرادوا، وأنه عندما تتصارع الإرادات فإن إرادة الحق هي الأقوى دائماً وأبداً.
أما ما لقيه الخالدي عند عودته إلى أرض الوطن من حسن استقبال شارك فيه ولي العهد وولي ولي العهد ووزير الدفاع ونائب وزير الخارجية وكبار المسؤولين فهو برهان آخر على محبة القائد لأبنائه وحرصه عليهم وفرحه لفرحهم، وكذلك شأن أمر خادم الحرمين الشريفين بمنح الخالدي وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة وتأمين منزل لعائلته، وهي مبادرات اعتادها المواطنون دائماً من ولاة الأمر وفي كل مناسبة.
إن موقف المملكة الثابت في هذه القضية وأمثالها سواء في رفض مطالب الخاطفين أو التصميم على تخليص رعاياها من أيادي الإرهابيين بلا شروط، وأن يعود عبد الله الخالدي حراً ويعود خاطفوه بخفي حنين؛ مواقف تستحق أن تكون أنموذجاً يُحتذى من جهة ومصدر فخر للسعوديين جميعاً من جهة أخرى.
ولقد كانت عودة الخالدي في هذه الظروف مناسبة للتعبير عن التلاحم الوطني من جهة وتجديد البيعة والولاء لولاة الأمر من جهة أخرى، وهي في نفس الوقت تحمل أكثر من رسالة وإلى أكثر من جهة؛ فالرسالة إلى الخاطفين هي أنكم تخوضون معركة خاسرة وأن إرادة هذا الوطن أقوى من كيدكم وأن مؤسساته الأمنية قادرة على مواجهة مخططاتكم الخبيثة، وأنها لن تفلح في ثني إرادة وطن تجتمع في محبته قلوب القيادة والمواطنين، وأما الرسالة لأبناء الوطن الذين يؤدون واجباتهم في كافة الميادين سواء على ثغور الوطن وحدوده أو في بعثاته الدبلوماسية والقنصلية في الخارج وفي كل مواقع المسئولية أن وراءهم قيادة تحبهم وتعمل من أجلهم وتحرص على سلامتهم وتقدر تضحياتهم، وأما الرسالة التي نبعثها إلى القيادة الحانية فهي أن المواطن يدرك الحب والحرص والمحبة التي تتسع لتشمل كل أبناء الوطن في كل المواقع والميادين وأنه يقابل ذلك بولاء ليس كمثله ولاء ومحبة وثقة يغبطنا عليها الأصدقاء ويحسدنا عليه الأعداء.