بايعناك.. ونظل معك
فهد الخالدي
ريادة المملكة وأهميتها بين دول العالم أمر لا ينكره إلا جاهل أو ذو غرض أو ضغينة، فهي ذات أهمية دينية كونها الأرض المقدسة التي تتشرف بوجود الحرمين الشريفين على أرضها الطاهرة عنوانًا لكونها مهد الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات وأتمها وأكملها، وهي أيضًا ذات أهمية اقتصادية حيث تحتوي أرضها على أكبر احتياطي عالمي من النفط وكذلك من المعادن الأخرى التي اكتشفت مناجمها أو تلك التي لم تكتشف بعد، وهي ذات موقع جغرافي استراتيجي وتمتد على نطاق جغرافي واسع تمر منه طرق المواصلات الجوية والبحرية والبرية بين القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهي في نفس الوقت تتمتع بقيادة العالم الإسلامي التي تقر لها شعوبه وغالبية دوله بالزعامة والريادة لا يشذ عن ذلك إلا أنظمة محدودة معروفة بتوجهاتها التي لا تنسجم مع مبادئ الأخوة والروابط المتينة بين شعوب العالم الإسلامي، وهي كذلك بين الدول العربية التي تقر لها بذلك أيضًا علاوةً على قيادتها لمجلس التعاون الخليجي.
ومما يعزز مكانة المملكة على كافة الصعد حرصها الدائم على أداء واجباتها التي تترتب على مكانتها الدولية والإقليمية والإسلامية والعربية والخليجية أيضًا، فهي دولة مؤسسة في هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما اعتاد العالم ودوله وشعوبه على مبادراتها لمد يد العون والمساعدة في كافة الكوارث التي تصيب أي شعب من شعوب العالم، فهي حاضرة في أفريقيا عندما يغزوها الجفاف وفي الصومال والسودان والعراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن، لا تكتفي بتقديم المساعدات المادية، بل بالدور السياسي والدبلوماسي الإيجابي الذي يسعى لإيجاد الحلول وإحداث السلام والاستقرار، وما دورها في حل المشكلة اللبنانية من خلال مؤتمر الطائف وقدرتها على جمع جميع الأطراف المتصارعة إلا أنموذج لما يمكن أن تحققه الدبلوماسية السعودية إذا كفت العقول الشريرة أيديها ولم تعمل على تعطيل هذا الدور ومنعه من تحقيق غاياته السلمية، أما موقفها الثابت مع فلسطين فهو موقف يتحدث عنه الفلسطينيون بما يكفي لبيان دور المملكة التاريخي الذي لم يتغير منذ بداية التآمر والعدوان إلى هذه الساعة.
كل ما سبق ولأسباب كثيرة أخرى فإن الذكرى الأولى للبيعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ليست حدثًا سعوديًا محليًا فقط، بل هي منعطف تاريخي بدت ملامحه بمواقف المملكة التي اتخذتها حتى الآن، والتي توضح طريقة تعاطي القيادة الجديدة مع أحداث المنطقة على كافة الصعد، بل وحتى متطلبات الإصلاح الإداري والتطوير الاقتصادي المحلية.
ولقد كانت عاصفة الحزم في اليمن واحدة من أكثر الملامح وضوحًا في التعبير عن النهج السعودي الجديد في التعامل مع قضايا المنطقة بعد أن تعدت بعض الأطراف حدودها، ولم تحسب حسابًا لأواصر الجوار والدين والأصول الدبلوماسية والقانونية في التعامل مع دول المنطقة، وأخذت تمد يدها لتعبث بأمن الأقطار العربية المجاورة في تهديد واضح لأمن دول الخليج والمملكة خاصة، لا سيما وأنها اتخذت من الفتنة الطائفية والمذهبية سبيلاً لزعزعة استقرار الوطن والدول الشقيقة. ولم تجد كل الطرق الدبلوماسية والسياسية لوضع حد لهذه التدخلات، بل زادت الطرف الآخر عدوانًا وجرأة على الإعلان أنه سيطر على أربع عواصم عربية، وأنه في سبيله لمزيد من الغطرسة والعدوان؛ فجاءت عاصفة الحزم لتوجه رسالة واضحة أن ذلك لن يمر، وأن المملكة قادرة على ردعه بالقوة المسلحة، إن لم يرتدع بالوسائل الدبلوماسية، تقف معها في ذلك شعوب المنطقة والدول العربية والإسلامية، التي تجلى موقفها في مشاركة بعض هذه الدول في التحالف العربي وثم التحالف الإسلامي فيما بعد.
أما فيما يتعلق بسوريا الشقيقة فما زالت المملكة تتمسك بدعمها للشعب السوري وحقه في الأمن والاستقرار في وطنه، والتخلص ممن ذبح أبناءه وشردهم، وأن لا حل في سوريا إلا بزوال هذا النظام والطاغية ووحدة سوريا، وأنها بجميع أبنائها على مختلف مذاهبهم وأصولهم.
أما على الصعيد الداخلي فإن إعادة هيكلة مصنع القرار السياسي والاقتصادي والتنموي من خلال مجلسي الشئون الاقتصادية والتنمية والشئون السياسية والأمنية، وإناطة مسؤوليتهما لصاحبي السمو الملكي ولي العهد وولي ولي العهد، والتغييرات الوزارية والقيادية الأخرى، وكذلك الحزم في تنفيذ أحكام القضاء في الإرهابيين الذين تسببوا في إزهاق أرواح المواطنين والمقيمين فهي أيضًا ملامح واضحة للسياسة الداخلية في المرحلة الراهنة.
أما على الصعيد الشعبي فإن أكثر ملامح المرحلة الراهنة وضوحًا هو هذه البيعة الشاملة من المواطنين للقائد والقيادة، والتي تتجدد في ذكرى البيعة الأولى بكل محبة وإخلاص واستعداد للبذل في سبيل أمن الوطن وسيادته، والذود عن حياضه ضد كل الأيادي الآثمة التي تحاول العبث به أو إثارة الفتنة بين فئاته، فكلنا مواطنون سعوديون مخلصون للقيادة حيثما كنا من شاطئ الخليج إلى ساحل البحر الأحمر ومن تبوك إلى نجران؛ نردد بصوت واحد «سر يا سلمان ونحن وراءك»، ولا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون».. بل نقول: «الله معك، ونحن بايعناك.. ونظل معك».