• ×

02:52 مساءً , السبت 21 جمادي الأول 1446 / 23 نوفمبر 2024

فهد بن سعدون الخالدي

«المواطنة والانتماء».. دور المؤسسات وواجب المواطن

فهد بن سعدون الخالدي

 0  0  2664
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
«المواطنة والانتماء للوطن» من صفات المواطن الصالح، التي تبذل الأمم والشعوب الحية جهودها وتسخر طاقاتها لإعداده؛ لأن هذه القيم السامية العليا ضرورة وجود للأوطان ومنعتها، وهي تتجلى في أوقات الشدّة عندما تحيط الأخطار بالأمم والشعوب سواء كانت أخطاراً خارجية أو داخلية، والثانية أكثر ضرراً وإيذاءً وتدميراً للأمم والأوطان، وهي تجد دائماً في ضعف قيم المواطنة والانتماء بيئة خصبة لها بما تتيحه هذه البيئة من ظروف تعين المفسدين والمخربين على العبث بالأمن وإشاعة الفساد والاضطراب والخلاف، كما يحصل في الوقت الحاضر في بعض الأوطان التي وصلت الحال فيها إلى حروب مدمرة تأكل الأخضر واليابس، وهي مع الأسف الشديد تكون معظمها بيد من ينتسبون إلى هذه الأوطان، والذين ينبغي أن يدفعهم الانتماء لوطنهم إلى حمايته من الخطر لا جلبه له.

والشعب السعودي بطبيعته -والحمد لله- من الشعوب التي تعلي قيم المواطنة والانتماء التي حرصت القيادة الحكيمة على غرسها في نفوس المواطنين، منذ ارتفعت راية التوحيد لتجمع شتات الجزيرة في كيان واحد رسمت أركانه وارتفعت رايته واشتد ساعده -والحمدلله- عاماً بعد عام، مما أدى إلى هذه الوحدة الراسخة بين أبنائه بشتى انتماءاتهم الجغرافية وأصولهم القبلية ومذاهبهم، فهم -والحمد لله- شعب واحد في السّراء والضراء، وقد تجلت هذه القيم بالمشاعر النبيلة التي رافقت رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز حزناً على الفقيد الذي بذل لهذا الوطن ما يستحق عليه المحبة والوفاء، كما تجلت في إجماع الشعب على بيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين وولي ولي العهد، في تلاحم وطني نادر، يضرب المثل في الوحدة الوطنية والتلاحم والاتفاق الذي هو أول أسباب الاستقرار، ونعمة الأمن التي نعيشها بفضل الله -سبحانه وتعالى-.

ومع ذلك كله فإن قيم المواطنة تستحق على أهميتها أن تخصص لها المزيد من الفعاليات، وأن تبذل الجهود لتعميقها ونشر ثقافتها والسعي لجعلها سلوكاً لدى المواطنين وخاصةً الشباب، والدولة لم تغفل عن ذلك، وتبذل العديد من مؤسساتها وفي طليعتها المؤسسات التربوية جهوداً واضحة تستحق التقدير والاحترام، وتستحق أن تلقى منا جميعاً التجاوب والاهتمام، ومن ذلك توجيهات وزارة التعليم في حينه بتعزيز قيم المواطنة وتوظيف الحصة الأولى والثانية في المدارس لهذا الغرض، سواء بمناسبة بيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله-، أو بمناسبة اليوم الوطني للمملكة، بل وقبل ذلك إقرار مادة التربية الوطنية في مدارس التعليم العام، وكذلك فيما تبذله الجامعات في هذا المجال مثل: مؤتمر الشباب والمواطنة "قيم وأصول" الذي عقد مؤخراً في رحاب جامعة أم القرى بمشاركة نخبة من الباحثين والمختصين في الجامعات والمؤسسات الإعلامية والتربوية والجهات ذات العلاقة بالشباب ورعايتهم داخل المملكة وخارجها.

ويتضح الاهتمام بانعقاد مثل هذا المؤتمر، الذي يأتي استشعاراً من الجامعة بالمسؤولية المجتمعية اتجاه الوطن والمواطن؛ في اختيار الموضوعات التي تناولتها محاوره وفي مقدمتها: تعزيز مفهوم المواطنة وأهمية دور المؤسسات التربوية ومؤسسات المجتمع المدني في غرس هذه القيم لدى النشء، والمتطلبات والمتغيرات لدى الشباب إلى جانب العوامل المؤثرة في انتمائهم وسبل تنميته لدى الشباب، حيث خصص المحور الأول لتنامي حقيقة المواطنة والأسس التي تقوم عليها المواطنة الصالحة، بينما تناول المحور الثاني دور المؤسسات الاجتماعية في تنمية المواطنة، فيما خصص المحور الثالث لدور المؤسسات التربوية نحو المواطنة وقيمها من خلال دور المناهج التعليمية في كافة مراحل التعليم العام والتعليم العالي، وكذلك دور المعلمين والمربين والجامعات في تعزيز قيم المواطنة على ضوء التواصل المعرفي الهائل الذي يشهده العالم، والذي يتطلب مزيداً من العناية لتحصين الشباب بقيم المواطنة والانتماء، ولعل الأحداث التي يشهدها العالم من حولنا والذي أدى فيه ضعف المواطنة والانتماء لدى كثير من الشباب إلى خروجهم على مجتمعاتهم وانتمائهم إلى جهات تسعى للتخريب والإرهاب.

وإذا كانت هذه الجهود وأمثالها تستحق الإعجاب والتقدير، فإنها ينبغي أن تكون أنموذجاً تسير عليه كافة الجهات؛ لأن هذه القضية قضية أساسية ومصيرية، بل هي في الواقع هدف أساس نصت عليه كل الفلسفات التربوية، وهي إعداد المواطن الصالح، وهي غاية ينبغي ألا يتوقف السعي إليها كما ينبغي أن تكون عملية مستمرة ومتجددة، وهي كذلك مهمة على صعوبتها وأهميتها ستكون -إن شاء الله- سهلة وميسرة في بلادنا، انطلاقاً من حرص المخلصين ورعاية المسؤولين وصفاء سريرة المواطنين واستعدادهم وصدق انتمائهم.

التعليقات ( 0 )