يلقى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال التعليم اهتماماً متزايداً في كثير من دول العالم، بل إن بعض الدول اتخذت خطوات ملموسة في اتجاه تخصيص هذا القطاع بالكامل، ويأتي ذلك ضمن حاجة المجتمع أصلاً إلى تعليم متطور يستفيد من المستجدات التربوية ويعمل على تطبيقها في تحقيق أهدافه، إضافةً إلى ما تشهده مدارس القطاع العام من إقبال متزايد أدى في كثير من الأحيان وفي بلدان كثيرة إلى تكدس أعداد الطلاب في الفصول الدراسية وزيادة أعدادهم إلى درجة تؤثر في حصولهم على التعلم المنشود رغم ما ينبغي أن لا ينكر من جهود مخلصة تبذلها الجهات المسؤولة عن التعليم في أكثر البلدان من جهود وما يوجد عليها من حرص على جودة التعليم مع الاعتراف أيضاً أن هناك عوائق بيروقراطية تحد من سرعة استجابة هذه الجهات وتحول دون تحقيق ما تمتلكه من رؤى خاصة في البلدان التي لا تسمح مواردها المالية بتلبية كل ما يتطلبه تحقيق هذه الأهداف، ونحن وإن كنا والحمد لله- في بلد تشكل ميزانية التعليم أكبر ميزانية تخصصها الدولة لأي قطاع من القطاعات الأخرى إلا أن قطاع التعليم الأهلي مع ذلك كله يظل أكثر قدرة على اتخاذ القرار وتنفيذ الأفكار التطويرية والاستفادة من الخبرات العالمية لا سيما وأنه يلقى اهتمام الدولة أيضاً وحرصها على نجاحه بما تقدمه لمؤسساته من تسهيلات وإعانات وما تهيئه من ظروف، وإن كان هذا النوع من التعليم لا يزال بعد ذلك يواجه العديد من التحديات التي عليه مواجهتها.
وقد تطور هذا القطاع في السنوات الأخيرة تطوراً ملموساً، وأثبت أنه شريك حقيقي للتعليم العام يستحق المزيد من الدعم والمؤازرة لمواجهة كل ما يقف في طريقه من مصاعب ومعوقات لا سيما وأن العديد من الدراسات أشارت إلى أنه يوفر عائداً اقتصادياً على خزينة الدولة قدر قبل سنتين من الآن بأحد عشر مليار ريال عام (2013) م وقد يكون تجاوز هذا الرقم في الفترة التالية لهذا التاريخ، ومن شواهد ما حققه هذا التعليم من إنجازات أخرى عدا الجدوى الاقتصادية السالف ذكرها ما بلغته العديد من مؤسساته من مستوى في جودة العملية التعليمية ومخرجاتها ويتضح ذلك في أمثلة عديدة أحدها نتائج اختبارات القياس والقدرات حيث بلغت نسبة المراكز المتقدمة التي حصل عليها الطلاب في هذه الاختبارات للمستوى العلمي عام 1433 هـ (85%) فيما بلغت النسبة لطلبة المدارس الحكومية حوالي (15%)، وكذلك بالنسبة لمدارس البنات الأهلية حيث بلغت هذه النسبة بالنسبة للمستوى العلمي أيضاً (78%) في حين كانت النسبة التي حصلت عليها الطالبات في المدارس الحكومية حوالي (22%) تقريباً، ولا شك أن من أسباب ارتفاع النسب التي أشرنا إليها في مدارس التعليم الأهلي للبنين والبنات هو البيئة المادية التي توفرها هذه المدارس بما في ذلك الأجهزة العلمية والمختبرات والتفاعل الذي تحرص عليه مع المعلمين والمرونة في اتخاذ القرارات والتجارب والعناية بنوعية عمليات الإدارة والإشراف التربوي والتدريب وغيرها. إن التنامي المستمر الذي تشهده أعداد المدارس الأهلية والطلاب الذين يلتحقون بها يستحق ما توليه الدولة لهذا التعليم، كما أن تطلعات الدولة لزيادة نسبة مساهمة القطاع الخاص في التعليم التي تزيد الآن قليلاً عن (11%) أن تبلغ (30%) من أعداد الطلبة يقضي توفير المتطلبات الكفيلة بالوصول إلى هذه الغاية، وربما تكون مطالب الملاك خاصةً فيما يتعلق بتوفير الأراضي ومراجعة اشتراطات البلديات والجهات ذات العلاقة بالخدمات والتراخيص وغيرها.
وفي نفس الوقت فإن على المدارس الأهلية وملاكها الاستماع لما هو مطلوب منها سواء من قبل أولياء أمور الطلاب أو الطلاب أنفسهم خاصةً تلك المدارس التي ما تزال تقدم خدماتها في مدارس مستأجرة ربما كان وجودها ضرورة في مرحلة معينة، ولكن الظروف الحالية توجب عليها أن تستجيب للمتغيرات وأن تواكب ما يشهده التعليم من قفزات، وكذلك فإن على بعض المدارس أن تعيد النظر في الزيادات المتكررة في الأقساط المدرسية التي لا يدفع ولي الأمر زيادة عليها إلا وطولب بزيادة أخرى، كما على الملاك أن يوقنوا أن أية زيادة في الأقساط ينبغي أن تقابلها خدمات إضافية للمتعلمين خاصةً في مجال جودة عملية التعلم ومتطلباتها، وكذلك إعادة النظر في رواتب مدرسي هذه المدارس المواطنين والمقيمين الذين تقفز الأقساط مرة بعد مرة وتبقى رواتبهم تراوح مكانها وبما يتسبب ذلك من آثار سلبية على أداء المعلم وربما انشغاله في التدريس الخصوصي أو غيره لما نعرفه جميعاً بل وربما على شروط اختياره، حيث تتساهل بعض هذه المدارس في شروط الاختيار حتى تحصل على معلم يقبل الأجور المتدنية التي تعرضها بما في ذلك عدم صرف الراتب طوال شهور السنة واقتصاره على تسعة أشهر أو عشرة أشهر في العام... لست مع الذين يتهمون المدارس الأهلية ولا يقدرون ظروفها.. لكن المأمول أن تلقى مطالبها مزيداً من الاهتمام.