تأتي التعديلات التي بدأ تطبيقها في مطلع شهر محرم الحالي على نظام العمل والتي بلغت (38) تعديلاً مراعية للملاحظات الكثيرة التي تم رصدها أثناء التطبيق على هذا النظام من جهة وللمطالبات التي تتابعت من قبل العاملين أنفسهم والجهات والمنابر الإعلامية من جهة أخرى، فلطالما كانت للعاملين سعوديين وغيرهم بعض الشكاوى التي يعانون منها والتي تقع معظمها ضمن المواد التي تناولها التعديل، ولا شك أن هذه التعديلات إضافةً إلى ما تلبيه من احتياجات وتطلعات العاملين فإنها تؤكد حرص الدولة على توفير أفضل الظروف للعاملين في القطاعين العام والخاص وتحسس رغباتهم وتطلعاتهم والعمل على تلبيتها إدراكاً منها لما تؤديه هذه الاستجابة من آثار إيجابية على أداء هؤلاء العاملين وتحفيزهم، كما أنها قبل ذلك تؤكد إنسانية واضع هذه الأنظمة وحرصه على حقوق العاملين واحتياجاتهم.
وإذا كانت هذه التعديلات قد لبت احتياجات العاملين بشكل عام فقد جاءت لظروف المرأة العاملة ونصيبها منها أولاً، مما يستجيب لمطالبات عديدة بتحسين بيئة العمل للمرأة العاملة، وتوفير الظروف التي تشجعها على الانضمام لسوق العمل والاستمرار فيه، وهي مطالبات سبق أن شاركت فيها بأكثر من مقال خاصةً ما يتعلق بمراعاة أصحاب العمل لخصوصية المرأة في المجتمع السعودي من حيث عملها في بيئة توفر لها خصوصيتها بعيداً عن الاختلاط، وكذلك أوقات الدوام المناسبة التي تأخذ في الحسبان دورها باعتبارها زوجة وأماً مع كونها امرأة عاملة في نفس الوقت، وكذلك إيجاد البدائل لحضانة أبنائها ورعايتهم أثناء فترة وجودها في عملها.
ومما لا شك فيه أن نظام العمل الجديد وتعديلاته سوف يكون له أثر واضح ليس في إقبال المرأة المواطنة على العمل في مؤسسات القطاع الخاص فقط بل والحد من تسرب النساء العاملات الذي كان ظاهرة واضحة للأسباب التي أشرنا إليها، بل وسيساهم في استقرار العاملات واستقرار العمل في المؤسسات التي يعملن فيها والتي كان تسربهن يؤثر عليها تأثيراً سلبياً ويلحق بها خسائر واضحة، كما أنه سوف يحد من إصرار بعض المواطنات على انتظار الوظيفة الحكومية ولو لفترات طويلة وعدم الالتحاق بوظائف القطاع الخاص في ظل الظروف السابقة التي كانت تجذبهن بعيداً عن العمل في هذا القطاع الذي يتطلب العمل فيه ساعات أطول ومزايا أقل، حيث تضمن النظام بوضعه الحالي العديد من المزايا من بينها زيادة نسبة تدريب السعوديين وكذلك تمديد فترة العدة للمرأة العاملة المتوفى عنها زوجها لتتماشى مع التعاليم الشرعية وتصبح (أربعة أشهر وعشراً) فيما كانت تلك المرأة في ظل تطبيق النظام السابق تضطر للعودة للعمل بعد أسبوعين من الوفاة رغم الظروف الإنسانية والنفسية والاجتماعية التي تمر بها، إضافةً إلى إمكانية تمديد هذه الإجازة إذا كانت المرأة حاملاً كما أعطيت الحق في إجازة خمسة أيام في حالات الزواج أو الوفاة بدلاً من ثلاثة أيام، وكذلك زيادة مدة إجازة الوضع لتصبح (70) يوماً بأجر كامل كما يحق لها تمديد إجازة الوضع شهراً آخر دون أجر، إضافةً إلى حق آخر لا يقل أهمية وهو الحق في ساعة يومياً لإرضاع مولودها وتختار هي بنفسها توقيت هذه الساعة.
فإذا عرفنا أن (468) ألف امرأة سعودية هو عدد المواطنات العاملات في القطاع الخاص وفق ما توضحه الإحصائيات التي أعدتها التأمينات الاجتماعية، فإننا ندرك بكل وضوح أهمية هذه التعديلات والأعداد التي ستستفيد منها، علاوةً على ما يستفيدُه غيرها من الرجال الذين ضمنت لهم التعديلات حقوقاً لا تقل أهمية عن ما وفرته للمرأة العاملة أيضاً.
إن حاجة سوق العمل للمرأة المواطنة وأهمية مشاركتها في هذا السوق والنتائج المتوقعة لهذه المشاركة بما في ذلك تجنب عدم الاستفادة من إمكانيات نصف المجتمع في عملية التنمية وما يرافق ذلك من سد احتياجات في هذا السوق ربما يضطر بسببها إلى الاستعانة بالعمالة غير المواطنة مع كل ما يسببه ذلك من نتائج اقتصادية واجتماعية وغيرها، يقابله كذلك احتياج بعض النساء للعمل لأسباب أقلها الرغبة في إثبات الذات والاستفادة مما تلقينه من التعليم وصولاً إلى الظروف المالية والاقتصادية التي تمر بها بعض الأسر والتي تقتضي مشاركة الزوجات والفتيات في توفير سبل العيش الكريم لأفراد الأسرة بعيداً عن الاتكالية وانتظار المساعدات والعون من الآخرين، وهي ظروف وإن كانت بلادنا والحمد لله- لا تواجه فيها ما تواجهه بلاد كثيرة في هذا العالم إلا أنها تبقى موجودة أيضاً، ولا بد من مواجهتها والعمل على تجنبها. وفي جميع الأحوال فإن نظام العمل بحلته الجديدة يستحق أن يلقى كل الترحيب وأن يعطى الفرصة للتطبيق الفعلي الهادف ومع ذلك فإننا لا نشك لحظة أن المسؤولين سوف يتابعون تطبيقه من جديد ليس للتأكد من حصول العاملين على ما أوجبه من مزايا فقط، بل وللنظر في مدى الحاجة إلى مزيد من التعديلات إن لزم الأمر.