يجتمع هذا العام على المملكة يومها الوطني وعيد الأضحى بكل ما فيهما من المعاني الجليلة والسامية؛ فالأضحى هو أحد عيدي الإسلام فيه معنى التضحية والفداء حيث رأى أبونا إبراهيم -عليه السلام- أمر ربه بذبح فلذة كبده، فصدق الرؤيا ولبّى وتله للجبين، فناداه الله وفداه بذبح عظيم، فكان ذلك أقصى معاني التضحية والفداء والقدوة والمثل سواء في صدوع إبراهيم لأمر ربه أو امتثال اسماعيل للأمر بقوله "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين"، وهل بعد هذا تضحية أو أسمى منه فداء سواء من الوالد أو الولد عليهم السلام-.
أما اليوم الوطني في المملكة ففيه معاني الوحدة والانتماء واجتماع الصف والكلمة، قدّر الله فيه لهذه البلاد أن يجتمع شملها ويلتئم شمل أبنائها ليعم فيها الأمن والسلام والرخاء والاطمئنان، يوم أصدر الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل المرسوم الملكي رقم (2716) في 17 جمادى الأولى من عام 1351هـ والذي يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية ابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م.
وهكذا وكما اجتمعت معاني التضحية والفداء في الأضحى تجتمع في اليوم الوطني معاني القوة والوحدة والوطنية والانتماء وجميعها قيم سامية ومثل عليا جديرة بأن تستحضرها الأجيال جيلاً بعد جيل، لتظل دافعاً على المحافظة على عقيدة الأجيال ومبادئ دينها الحنيف وشريعتنا المطهرة أولاً ثم السير على دروب الأولين الذين ضربوا المثل دائماً وأبداً في المحافظة عليها والعمل بها لتكون منهجاً ونظام حياة لا نحيد عنه أبداً، لا سيما وأن القادة العظام ومن تبعهم من الأجيال قد ساروا على هذا الدرب وضربوا لنا فيه القدوة والمثل الذي يحتذى.
ولذلك، فإن الاحتفاء بمثل هذه المناسبات الدينية منها أولاً كما هو في عيد الأضحى أو الوطنية كما هو في اليوم الوطني ينبغي ألا يقتصر على المظاهر الاجتماعية والترفيهية فقط، بل ينبغي أن تكون مناسبة للتأمل في المعاني الجليلة للمناسبة وما تقتضيه من تعميق المعاني التي تحملها في ضمير الأجيال، لا سيما الشباب ضماناً لبقاء القيم والمثل التي تحملها؛ فليست المناسبة إجازات من العمل ورحلات وسفر وزيارات اجتماعية وألعابا ترفيهية وسهرا في الليل وتراخي في النهار كما يفعل البعض، بل لا بدّ من استثمارها في توجيه الجيل للمحافظة على تاريخه المجيد واسترجاع الأحداث الجليلة التي ترمز إليها واستعادة اللحظات التاريخية لتظل الذاكرة عامرة بالمثل والقيم والمبادئ التي بدونها تندثر الأمم وتتفتت وتضعف وتستكن.
وإذا كانت بلادنا -والحمد لله- تؤكد كل يوم دورها الدولي والإنساني والإقليمي بثبات يعكس المبادئ التي أسس عليها كيانها وبنيت عليها وحدتها، ويضرب أبناؤها في كل حين الأمثال في الولاء والانتماء لهذا الوطن، والحرص على وحدته وقوته، ويقفون وقفة رجل واحد أمام كل متربص به، لا سيما في أوقات الشدة، ويلبون نداء الوطن في كل حين، وهم قبل ذلك وبعده يتمسكون بعقيدتهم التي ارتضوها دستوراً لهذا الوطن وشريعة للثبات على شرع الله وطاعة رسوله، كما ستظل لهم في اليوم الوطني مناسبته لاستذكار اجتماعهم بعد فرقة وقوتهم بعد ضعف وأمنهم بعد خوف، وسيعود عليهم عيد الأضحى عاماً بعد عام بإذن الله- وهم في وحدة وقوة وعزة، كما يعود عليهم اليوم الوطني وهم يرفعون راية هذا الوطن عالية في السماء تحمل عبارة التوحيد الخالدة وسيف القوة أمام كل عدوان وتكسوها الخضرة رمزاً للنماء والعطاء أبداً -إن شاء الله-.