عبداللطيف الضويحي
ألم أقل لكم إننا أناس نتعاطى الهياط في كل شؤون حياتنا؟ أناس نبالغ سلبا بدافع الهياط ونبالغ إيجابا بدافع الهياط؟ أناس ندمن الهياط والمهايط في كل شيء؟ حتى بعض وزرائنا يهايطون؟
إذا لم تكن الزوبعة التي أثارتها حلقة «الثامنة مع داوود» التلفزيونية مقصودة، فلعل هذه الزوبعة تكفي لإعادة النظر بالغياب الإعلامي، ولوضع إستراتيجية إعلامية مدروسة وتعيين ناطق إعلامي رسمي محترف يعرف ماذا يقول ولمن وكيف ومتى؟!.
والأهم أن يعرف هذا الإعلام الرسمي الفرق بين الإعلام المسكون بالإثارة وإشغال الرأي العام والإعلام التنموي الموضوعي الواضح. لا يمكن
مواضيع أخرى
بدأت النفوس تتغير
العمل بحسن النوايا دون إعلام عبقري يفهم جيدا ما معنى الحضور والتزامن والحيادية والموضوعية وعدم المبالغات سلبا وإيجابا. ويفهم لغة الأرقام ويعرف متى يستخدم نتائج الدراسات. لقد انتهى عصر المبالغات بين الصورة السوداوية والأحلام الوردية، بين العدسات الخضراء والزرقاء وبين النظارة السوداء.
أحيانا لا يكفي الذكاء والعبقرية لفهم ما يدور حولنا أو ما يطرحه ويتناوله الإعلام من قضايا وأحداث تهمنا. فما تسببت به حلقة الثامنة المسجلة مع وزيري المالية والخدمة المدنية ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط حول القرارات المتعلقة بالأسباب التي أدت لإلغاء بعض بدلات الموظفين بغض النظر عن صحة ودقة بعض ما ورد من تصريحات وما ترتب عليها من إشعال للرأي العام وما تسببت به من جدل غير مسبوق.
يبالغ الناس بحسن ظنهم المفرط بحيادية الإعلام والتلفزيون وموضوعيته لمجرد أن هذا الإعلام ناجح في إثارة الرأي العام وصناعة الفقاعات وهو يطرح قضايا الرأي العام الحساسة والمهمة. فيعتقد الناس بحسن نيتهم أن هذا الإعلام جزء من الحل وليس جزءا من المشكلة في كثير من الأحيان دون أن يشعر الرأي العام بثمن حسن ظنه المفرط بهذا الإعلام.
ولأن ما تم التطرق له في حلقة الثامنة كان مجرد إثارة للرأي العام تستفيد منه القناة وبرنامج الثامنة على حساب الرأي العام وعلى حساب الضيوف وعلى حساب الرؤية 2030، بل وعلى حساب سمعة المملكة الاقتصادية والاستثمارية، انشغل الرأي العام عن الأساسيات التي كان يجب أن تأتي في المقدمة وقبل كل شيء. لقد كانت الأسئلة المطروحة متواضعة كمية ونوعية ولم تتجه الأسئلة للمستقبل القريب والبعيد، ولم يكن الحوار منطقيا يتناول كل جانب على حدة. لم تطرح أسئلة الفساد بالنيابة عنها، والكل يعرف أن مكافحة الفساد هي قطب الرحى لأي عملية تنموية صحيحة وحقيقية وهو أساس مكافحة الفقر وهو محور مكافحة البطالة، والفساد هو الذي يعيق تطوير الجهاز الإداري الحكومي، ويعيق تطوير القدرات السعودية، فضلا عن أن الحد من الفساد سيعود على خزينة المالية أكثر بكثير مما تعود به كل الإجراءات التي تم إتخاذها حتى الآن.
لم يسأل برنامج الثامنة وزير الخدمة المدنية عن خططه لردم الهوة بين العمل في القطاع العام والعمل في القطاع الخاص، بدلا من جلد الموظفين وتقريعهم، ولم يسأله عن دور الحكومة الإلكترونية في زيادة أو نقص المهنية. ولم يسأل الوزير إلى متى تبقى المهن بمسمى «الموظف الحكومي» فالطبيب والمهندس والمحامي والمحاسب والإعلامي لا يزالون يعملون بمسمى موظف حكومي.
للإعلام مصلحة في الإمساك بالمتابعين لأطول فترة وله مصلحة بإثارة الجدل حتى لو كان ذلك على حساب الموضوعية والحيادية.
فلا يجب أن تأخذنا النوايا الحسنة والاعتقاد بأن جميع وسائل الإعلام لديها مسؤولية أخلاقية لحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها مجتمع. فبعضها تستثمر تلك المشكلات بإطالة أمدها من خلال استمرار الضبابية والغموض وعدم الوضوح، لو استطاع إلى ذلك سبيلا.
لست ضد إم بي سي MBC أو برنامج الثامنة، ولا ألومها على كيفية تعاطيها مع هذا الموضوع أو غيره من الموضوعات، فهي محطة تجارية لها مصلحتها، وتدير قضايا الرأي العام بالطريقة التي تحقق لها أكبر قدر من الربح، لكنني ألوم التلفزيون السعودي لغيابه عن كل ما يدور، لماذا غاب التلفزيون السعودي عن تبني هذه الحلقة وغيرها من مثيلاتها؟ هل ينقصه الكوادر البشرية؟ هل ينقصه القرار؟ هل لا يزال التلفزيون يعمل بما قبل الرؤية؟