الرئيسة كتاب ومقالات
العيد كيمياء الفرحة وسيكولوجيا الحزن
العيد كيمياء الفرحة وسيكولوجيا الحزن
عبداللطيف الضويحي
لا أعرف كم هي قدرة الإنسان الطبيعي على التعايش مع الحزن والفرح في آن معاً. ولست أعرف الطريقة التي يؤجل بها الحزن عندما يريد أن يتناول كوبا من السعادة أو قطرة من فرحة. ولا أعرف هل أتى على الإنسان حين من الحزن الجماعي العام كما هي أحزاننا في أعيادنا العربية هذه السنوات العجاف.
مسلسل التراجيديا العربية أصبح مسلسلا واحدا بعد أن تم التعرف على مخرجه ومساعديه المنفذين وبعد أن تم التعرف على أغلب الممثلين المرتزقة وغير المرتزقة، وبعد أن تم التعرف على مدير الإنتاج وكاتب السيناريو لهذا المسلسل القبيح، وبعد أن تم التعرف على بعض أهداف هذا المسلسل الذي بدأ باحتلال العراق بحجة إشاعة الديموقراطية وزراعة حقوق الإنسان السياسية، فتحول العراق إلى ساحة للإرهاب بين طائفتين تعلمان علم اليقين أن طرفا ثالثا هو من يفجر وينسف ويدمر ليقنع العراقيين بالقوة أنهم طائفيون، صدق البعض والغالبية لا تزال تعرف الحقيقة لكنها مغلوبة على أمرها.
ما لبث هذا المسلسل أن تم تمطيطه وإطالته في دول عربية أخرى، فتمدد وتمددت لعبة الإرهاب التي يتم تعريفها حسب مزاج هذا المخرج حتى تم اجتياح عدد من الدول العربية واحدة تلو أخرى فدمر وشرد وسرق ونهب وروع ولا يزال.
مسلسل التراجيديا العربية من أطول المسلسلات التلفزيوينة على الإطلاق ومن أكثر المسلسلات على الإطلاق بأعداد الممثلين، وتغير أدوار هؤلاء الممثلين ومن حيث كثافة الأحداث، ناهيك عن التقنية الحديثة الفتاكة المستخدمة مع التراجيديا العربية، بالإضافة إلى سرعة تغيير الطواقم وتعدد جنسيات تلك الأطقم رغم أن بعضها محترف ومنذ الحرب العالمية الأولى، والثانية بالإضافة إلى أعداد مهولة من المرتزقة والهواة الذين جاؤوا من كل حدب وصوب ليضمن المخرج الزخم الكافي لاستمرارية تدفق التراجيديا العربية عبر جغرافية العالم وتاريخه الحديث حتى يكفر العربي بعروبته والمسلم بإسلامه والإنسان بإنسانيته، وصولا إلى أحد أهداف هذا المسلسل والذي لا يزال المخرج يبحث ويجرب كافة السبل ليحدد له ساعة الصفر.
مخرج مسلسل التراجيديا العربية رغم إمكاناته الهائلة وعدته وعتاده وتقنيته الحديثة الدقيقة ونفوذه العابر للقارات وعدد مرتزقته إلا أنه لا يزال بعيدا عن الحلقة الأخيرة وعن إسدال الستار على مسلسل التراجيديا العربية؛ لأن هدفه لم يتحقق بعد ولأن المولود لم يكتمل نموه، فليس من أهداف هذا المسلسل الوصول بالحد الأدنى من الضحايا أو الوقت الأقل أو الحد الأدنى من المشردين واللاجئين والنازحين والمحاصرين والجرحى والمصابين، فكل حلقة جديدة في هذا المسلسل مكسب للمخرج ومساعده الذي يتناوب الإخراج مع كتابة السيناريو وأحيانا أكثر من ذلك.
قد يكون العيد مستهدفا على سبيل المثال، ما معنى أن يتم إعدام رئيس دولة عربية صباح العيد، وقطعا كان بالإمكان تحاشي ذلك؟ هل الغاية استهداف إشعال الفتنة الطائفية التي تأخرت كثيرا ولم تأت قوية كما أراد لها المخرج فاضطر أن يستهدف مناسبة بأهمية العيد الذي يترقبه الناس ليمنحوا أطفالهم وعائلاتهم قطرات فرحة في خضم المآسي ومستنقعات الحزن التي أرادها المستعمرون الجدد عنوانا تيئيسيا وتطفيشيا من كل شيء اسمه عربي؟ لماذا استهدفوا العيد ومن يحتفلون به كملاذ لفرحتهم الأخيرة فحولوها إلى مأساة؟ أم أن المخرج أراد أن يقدم مفهوما جديدا للأضحية التي يتباهى بها المسلمون سواء أغنياؤهم وفقراؤهم في عيد بأهمية عيد الأضحى؟
من المهم أن نعرف نحن ويعترف هو أن حادثة إعدام الرئيس صدام حسين رحمه الله في مناسبة العيد كانت مقصودة لكل المهتمين بها ولذاتها كمناسبة، بغض النظر عمن يتفقون مع الرئيس صدام أو يختلفون معه، أنه ليس من باب الصدفة وأنها رسالة لكل عربي من المحتل آنذاك يؤكد على تدشين مرحلة جديدة من الاستعمار الذي يبدأ بالإهانة والإذلال والاستهتار بالإنسان العربي وبمناسباته بما فيها العيد.. ولا يمكن أن يكون حادثا عابرا فمناسبة العيد مقصودة وسيلة أو غاية.
من أهم أسلحة المستعمر أنه يعرف تاريخ الشعوب الذين يريد أن يستعمرهم وسيكولوجيات تلك الشعوب، فمن الواضح أن الأمريكيين قد ورثوا عن أسلافهم البريطانيين ما يكفي من تاريخ دولنا العربية وسيكولوجيات شعوبنا ليتمادى المستعمر الجديد بتطبيق مقولة البريطانيين «فرق، تسد» يشاركهم بذلك جارنا الصهيوني المحتل.
فمنذ احتلال العراق ونحن نبحث عن العيد في بيت جيراننا، ويبحث جيراننا عن العيد في بيتنا.
أضحى مبارك وعيدكم سعيد.