السؤال الذي يكرهه السعوديون
عبداللطيف الضويحي
أكبر مشكلة يواجهها السعودي عند تعبئة النماذج الإلكترونية والورقية هو الإجابة على سؤال المهنة. ما هي مهنتك؟ لا تسأل السعودي عن مهنته فيجيبك بأنه موظف حكومي حتى لو كان متقاعدا وربما يصححه من يجلس بجواره بأنه «متسبب» وليس موظفا حكوميا، فقد تكرم عليه موظف الخدمة المدنية بلقب «متسبب» مساعدةً له بالبحث أفقيا عن الرزق بدلا من البحث رأسيا عن الرزق، وهذه منحة كبيرة لأن البحث الأفقي عن الرزق لا يتطلب إجادة أو إتقانا للعمل ولا يخضع كثيرا للرقابة والمحاسبة مثل البحث الرأسي.
من أين تبدأ المهنة؟ ما هي المرجعية المناط بها رعاية مفهوم المهنة وحقوق المهنيين؟ مؤسستنا التعليمية لا تريد ولا تستطيع أن تصنع مِهناً أو حِرفا ذات قيمةً، ثقافتنا المحلية لا تريد ولا تستطيع أن تصنع مِهناً أو حِرفاً بل إنها على طرفي نقيض مع مفهوم المهنية والعمل المهني والحرفي.
المرجعيات المهنية مثل (وزارة العمل ومؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني) لا تستطيع أن تصنع مهنا أو حرفاً للمجتمع. أما المجتمع المدني فمشلول وقليل خبرة في هذا ورعاية حقوقها. أما السوق فهو مزاد علني لتغيير المهن حسب الطلب. وتوزيع المهن في بورصة الفوضى العمالية.
المهن في بلدنا حسب الجنسيات، فهناك جنسية تحتكر البلاط وجنسية تحتكر البناء وأخرى جلب المياه ورابعة تتخصص بقطف البلح وعاشرة متخصصة بخبز التميس.
أما في وزارة الصحة فإن الطبيب المتخصص الذي أفنى عمره بدراسة الطب وفروعه، يتم تكليفه بعمل إداري أو إشغاله بلجنة وزارية، ليترك تخصص الطب وأبحاثه ودراساته ومرضاه ومختبراته وعيادته. بينما خريجو وخريجات الإدارة الصحية فخارج أسوار المؤسسات الصحية لأن مجالاتهم مشغولة بالأطباء.
أما في وزارة التعليم، فإن الحكمة التربوية تقتضي ألا يستفيد المدرس من تخصصه ولا الطالب من مدرس متخصص، فمعلم الكيمياء أو الفيزياء يُكلف بتدريس طلاب المرحلة الابتدائية لغة عربية، بينما يكلف معلم اللغة العربية بتدريس مادة اجتماعيات، أما متخصص الرياضيات فيكلف بتدريس لغة إنجليزية أو حاسب آلي. لماذا صداع التخصصات وهمّ المهنة؟ فالكل يجب أن يكون جاهزا ومهيأ لتدريس الكل. تخصص من؟ ومهنة ماذا؟
أما وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، فقد قررت سعودة قطاع الاتصالات فجأة، وقد بدأت بتقديم الجنسية على المهنة وهو هدف نبيل لكن الإجراء غير مهني وغير عملي. فقبل أن تتجه بوصلة التصحيح للمحلات، كان الأولى أن تتجه البوصلة إلى التدريب والتصنيف المهني والذي تديره مؤسسة متخلفة إداريا وفقيرة معرفيا بكل المقاييس.
لا أعرف إلى ماذا تستند «المؤسسة» عندما تقرر المجالات التي يتم التدريب عليها! ليت «مؤسستنا» تعرف بأن 70% من خريجي الثانوية في ألمانيا يتجهون للتعليم المهني ليس بسبب معدلاتهم الدراسية ولا بسبب المكافآت المالية، إنما بسبب عدد المجالات المهنية المتاحة لخريجي الثانوية والتي يناهز عددها الـ400 مجال والتي يتم تحديثها وزيادتها باستمرار لمواكبة الاحتياجات المستجدة للسوق.
أما المجالات التي يتم التدريب عليها في «مؤسستنا الموقرة» فلا تتجاوز العشر وربما أقل بكثير، بعضها مكرر مع ما يقدمه معهد الإدارة أو القطاع الخاص من برامج.
منذ يومين انتقدتْ هيئةُ التخصصات الصحية بلهجة حادة المستوى المعرفي لحملة البكالوريوس في تخصص التمريض من خريجي الكليات الأهلية، حيث بلغت نسبة النجاح فقط 19% من مجمل المتقدمين.
ليت مشكلة الممرضين والممرضات تقف هنا يا هيئة التخصصات الصحية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في ممارسة التمريض. فالممرضون والممرضات غير مقتنعين بمهنتهم وليسوا فقط غير مؤهلين. إنهم في الغالب لا يحملون تقديرا لمهنتهم ولا نفسية الممرضين والممرضات وفي أخلاقياتهم المهنية وقيمة العمل لديهم، فلعل ما تنوء بحمله الصحف المحلية من انتقادات لمن يعملون في هذه المهنة يكون كافيا لوقف تدريس التمريض لدينا.
كل المهن والتخصصات يمكن أن تتطور إذا كانت المشكلة في المعاهد أو في التجهيزات، لكن لا يمكن أن تتطور المهنة أو تتقدم طالما أهل المهنة لا يحترمونها ولا يقدرونها ويعتبرونها جسرا للعبور إلى مجالات أخرى.
كلامي هذا ليس تبرئة للمعاهد والكليات الأهلية، لكن مشكلة المهنة في بلدنا وفي ثقافتنا وفي مجتمعنا وفي قيمنا، أما المعاهد والخريجون والخريجات فهم نتاج ثقافة لا تقيم وزنا للمهنة ولا تعير اهتماما لقيمة المهنة وحقوق المهنة وواجبات المهنة.
لعل وزير العمل والتنمية الاجتماعية أن يلتفت بجدية لأزمة المهنة ومحاولة استزراعها وتجذيرها في ثقافة المجتمع السعودي بل لعل الشورى يسدل الستار على تخبط مؤسسة التعليم الفني والتدريب والتي لا تزال تحول بيننا وبين المجتمعات المهنية وتعوق أبناءنا وبناتنا من اقتحام مجالات دخلها واجتازها كثيرون غيرنا منذ زمن بعيد.