في زحمة قوافل الشهداء من الشعوب العربية، لم ننتبه للموت النوعي، موت القلة من النخبة العلمية، التي تترك غالبا أثرا نوعيا كبيرا في حياتنا والبشرية جمعاء بإنجازاتها وليس بنفوذها. فلم تسعفنا قوافل شهداء شعوبنا في كل بلد عربي من الوقوف دقيقة نقرأ الفاتحة ونتذكر وطننا العربي الذي كان قاب قوسين من إقامة مشروعات علمية اقتصادية عربية تعيد حضارتنا ومجتمعاتنا وأخلاقنا إلى الوضع الطبيعي وتنتشل بقايانا من الوحل الذي استدرجتنا إليه ثلاثية الاستقطابات الاستعمارية الرأسمالية والاستبداد والاحتلال الإسرائيلي.
عذرا أيها العالِم العربي الفذ أحمد زويل... فلم تسعفنا الصورة القاتمة للحاضر العربي بأن نرى المستقبل العربي. لقد تأخرنا ولم نتمكن من أن نسألك قبل الرحيل.. من كان وراء نجاحك وعطاءاتك العلمية؟ هل كانت أسرتك تختلف عن بقية الأسر العربية؟ هل كانت أمك عالمة كيمياء أم أن أباك صاحب مختبرات كيميائية؟ هل تعلمت يا دكتور زويل مثلنا في مدرسة حكومية؟ هل كان المدرسون في مدرستك من العرب أم من الأجانب؟ هل كان مبنى مدرستك مستأجراً؟ كيف كان النقل المدرسي وقتئذ؟ هل كنت تحضر الطابور الصباحي بانتظام؟ هل كانت لديك واسطة مع مدير المدرسة أو مع المدرسين؟ كم عدد المدرسين الخاصين الذين كنت تدرس عندهم ومعهم؟ كم عدد المواد التي تدرسها في السنة وكم عدد الكتب التي تحملها في حقيبتك يوميا؟ كم كنت تمضي من وقتك في المذاكرة والدراسة؟ ما نوع الألعاب التي كنت تلعبها في طفولتك؟ ما نوع الهدايا التي كان يهديك أبوك وأمك؟ ماذا عن مدينتك دمنهور؟ كيف أسهمت بنجاح ابنها؟
هل تؤمن بأن هناك طلابا أذكياء وطلابا أغبياء أم أن هناك أنظمة تعليمية واجتماعية وسياسية ذكية وأخرى غبية؟ ما الذي يحول بين الفطرة التي فطرنا عليها كبشر والنجاح الطبيعي الذي يستحقه كل ناجح في المجتمعات البشرية الطبيعية السوية؟ ما الفرق بينك وبين أجدادك الخوارزمي وابن الهيثم وابن سينا وابن حيان؟ أين الحلقات المفقودة بين عصر أجدادك العلماء وعصرك يا عالمنا الفذ؟
هل تعتقد أن الجامعات العربية تعرف أنها جامعات؟ لماذا لا تصنع جامعاتنا العربية العلماء ولا تكتشفهم ولا تستثمرهم لصالح الوطن العربي؟ ما الذي ينقص جامعاتنا العربية لتصبح حاضنة للعلوم وصديقة للعلماء؟
هل تعرف أيها العالم الجليل كم عدد العلماء العرب؟ أم أنك لا تريد الإفصاح عن هؤلاء العلماء لكي لا يواجهوا المصير الذي واجهه علماء العراق على يد المحتلين ؟ هل تعتقد أن هناك علاقة بين الكارثة التي تعرض لها العراق من دمار للإنسان والوطن وسياسة العراق لرعاية العلماء والعلوم خلال السنوات العشرين الماضية؟
لماذا لم يعرفك الإعلام العربي إلا بعد أن حصلت على جائزة نوبل؟ هل الخلل بالإعلام العربي أم بالإعلاميين العرب؟
هل لدينا أندية علمية في الوطن العربي؟ لماذا لا يتساوى عدد الأندية العلمية في الوطن العربي بعدد الأندية الأدبية على الأقل؟ لماذا لا توجد لدينا أندية رياضيات وأندية فيزياء وأندية كيمياء وجيولوجيا وأحياء وفلك على غرار أندية كرة القدم التي غالبا تخسرها الفرق العربية؟
لماذا لا نبتكر طريقة لائقة لتكريم العلماء خلافا للجوائز الشكلية للوجاهات؟
هل لدينا الأنظمة والتشريعات الصديقة للعلوم والعلماء والتي تكفل للعالم حريته بممارسة علمه وتطوير أبحاثه دون ترهيب أو إرهاب؟ هل العلوم ثقافة شعبية أم هي سياسات رسمية؟
لماذا نحن نحارب العلوم والعلماء الحقيقيين وتستبدلهم بعلماء مزورين من سحرة ومشعوذين ودواعش وتجار الدين والسياسة؟ هل ثقافة الشهادات الوهمية والحقيقية والألقاب هي سبب محاربتنا للعلوم والعلماء أم أنها نتيجة لها؟
لماذا لا يتم تبني سياسة تجنيس العلماء لخلق توازن في المجتمع بتغيير نمط التفكير مثلما يتم تجنيس بعض الفئات؟
هل كنا سنعرف أحمد زويل لو لم يمنح جائزة نوبل؟ وهل كانت الحكومة ستكرم زويل لو لم ينل جائزة نوبل؟
سؤالي الأخير للعالم أحمد زويل، وأنت تضع أساسا جديدا للزمن يعد متناهي الصغر بمقاييس الوقت، هل تستطيع أن تعيد عقارب الزمن العربي أو تقدمها للأمام كي لا تفنى العرب بحروب داعش وأن تجعل الخارطة العربية زمنا عربيا واحدا بتوقيت سياسي واقتصادي وثقافي واحد؟