غدا تزول داعش من العراق والشام، تختفي تماما لتظهر إعلاميا في بلد عربية أخرى. تنتقل إلى بلد عربية فيتم تفكيكها فتحرك الديموغرافيا العرقية والمذهبية والطائفية والدينية من الجغرافيا أو إلى الجغرافيا المرغوب بها أو عنها بالتوازي والتنسيق مع ما تحت الأرض من بترول وغاز ومعادن، فيتم رفع شأن دويلات جديدة فيدراليا أو كونفدراليا وصولا إلى الاستقلال، ويتم الحط من شأن دويلات جديدة أخرى لتصبح دولا فاشلة فتبقى بؤر صراعات المستقبل لأنها بلا موارد وبلا إدارة.
غداً ترحل داعش من العراق والشام بعد أن وضعت الأساس للدولة الكردية على امتداد العراق والشام فيدراليا أو كونفدراليا، إلا إذا حصلت معجزة وأجهضت هذا المشروع المطلوب إسرائيليا وأمريكيا وبنفس الرغبة والطموح الكردي.
الوقائع على الأرض والأحداث في كل من سورية والعراق منذ أيام تدل على أن داعش أتم المهمة المطلوبة منه وهو لذلك ينحسر في أكثر من موقع وفي أكثر من جغرافيا.
أما النصرة فهي الأخرى مشغولة تقضم وتمهد الجغرافيا المحاذية للكيان الصهيوني، وتضع البنية الأساسية لميلاد وصناعة الدولة الدرزية، وهي رغبة إسرائيلية، تفوق الرغبةً والطموح الدرزي ذاته.
أما لماذا الرغبة الإسرائيلية بإقامة دولتين كردية ودرزية على وجه التحديد، فالأسباب كثيرة لكن أبرزها هو الخاصية التي لدى كل من الكرد والدروز من علاقاتهم الخاصة مع العرب والمسلمين من ناحية ومع الإسرائيليين من ناحية أخرى. ما يعني أنها تراهن على الثقافة الدرزية والثقافة الكردية لتعبر من خلالها إلى الثقافة العربية وتجاوز عزلتها في المنطقة. أتحدث هنا عن العلاقات مع الشعوب وثقافات الشعوب. فالإستراتيجية الإسرائيلية إذا صح هذا السيناريو هي في إقامة علاقة أعمق مع نسيج المنطقة خلافا لما دأبت عليه من قبل.
غداً تزول داعش والنصرة وأخواتها وتتكشف مع زوالهما أحلك مؤامرة يتعرض لها العرب والمسلمون بتاريخهم الحديث ومن خلال تحالف خفي بين الإرهاب والاستعمار الذكي الجديد. تحالف يظهر أحيانا للعلن ويتوارى للخفاء أحيانا حسب مقتضيات كل مرحلة.
لكننا واهمون إذا نعتقد أن هذا الكابوس الداعشي لن يتكرر بعد هذه المهمة، فداعش والنصرة ليستا أولى المنظمات الإرهابية ولن تكونا آخرهما، فكر داعش موجود منذ مئات السنين، والداعشيون ليسوا دخلاء كما يتصور البعض، إنما الجديد هو توظيفهم من قبل أجهزة استخبارية دولية وإقليمية لتحقيق مصالح دولها وستبقى هذه الأجهزة ودولها تحرك هؤلاء المتطرفين من حين لآخر سواء بعلمهم أو بدون علمهم مرة في أفغانستان ومرة في العراق وسورية أو حيث تقتضي مصالح تلك الدول سواء لتحقيق مكاسب سياسية أو مصالح اقتصادية. فاليوم لم يعد الاستعمار الذكي يكلف أصحابه سوى التخطيط المدروس أما الباقي فينفذه بعض الفقهاء ويموله بعض الجهلاء ويشارك به بعض السفهاء، فتضيع دولنا وشعوبنا في هذه الدورة الجهنمية من دورة العنف وتدوير التدمير، وتتسلق على أكتافنا دول كانت بالأمس تتحدث لغتنا وتتعلم بمدارسنا وتعالج في مستشفياتنا وتأكل على مائدتنا.
إنها علتنا نحن مثلما هي شهية المستعمر والمحتل التي تزداد حجما. علينا أن نتعلم الدرس الذي لقنته لنا داعش والنصرة وقبلهما القاعدة وغيرها، علينا مراجعة وغربلة الفقه الإسلامي والتراث الإسلامي والفكر الإسلامي والذي أصبح مخترقا ومستباحا وأصبح خطيرا على المسلمين وغير المسلمين. يجب أن نفهم أن المطلوب ليس هو التقريب بين الأديان والمذاهب والطوائف، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. إنما المطلوب رد الاعتبار للتيارات والمذاهب والطوائف الإسلامية المتسامحة ومنحها الحرية والمساواة وإتاحة الفرصة بالتساوي لكافة الاختلافات الفقهية.
الأمر الآخر، يجب التوسع بالعلوم الطبيعية والرياضيات وتبسيطها حتى لغير المتخصصين لتسود ثقافة العلوم وتشغل حيزا من عقل الإنسان وثقافة المجتمع بعد أن سيطرت عليه الخرافة والسحر والشعوذة. فالتنافس بين الأمم ليس بما لديها من طوائف وقبائل ومزايين إبل، والتفحيط وتقديم المفاطيح، إنما التنافس بين الأمم والحضارات يكون بعدد علماء الفيزياء وعدد علماء الرياضيات والاختراعات والمبادرات لحل مشكلات البطالة والإسكان والفقر واستثمار الطاقة، فلنفتح الأندية العلمية وأندية الرياضيات في كل مدينة وقرية ولنؤسس جمعيات الفيزياء والكيمياء والفلك.
ولكن علينا بالرجوع أولا إلى ديننا وإصلاح أنفسنا حقاً وحقيقة.. *والفيزياء والكيمياء ليست إلا فرع من فروع علمنا وثم ما هو أهم منه!*