توفي بطل الملاكمة ورجل السلام محمد علي كلاي رحمه الله منذ يومين، عن عمر ناهز 74 عاما بعد معاناة تجاوزت 30 سنة مع مرض الرعاش. مخلفا حزنا كبيرا في قلوب محبيه وأصدقائه داخل الولايات المتحدة وخارجها، حيث ملأ كلاي زمانه شهرة ونجومية على شكل غير مسبوق.
كان كلاي رمزا وبطلا أفقيا ورأسيا في زمن لا يمنح البطولة والنجومية بالمجان كما نفعل في وقتنا الحاضر، فقد تربع على عرش البطولة زمنا طويلا بعد أن حقق الكثير من الألقاب العالمية والأمريكية كان بطلا من الزمن فلم يكن بطلا عاديا.
رغم أن محمد علي كلاي يملك مقومات البطل ومواصفاته الكريزمية ومسوغات النجومية، إلا أن الحقيقة هي أن هناك بعدا رمزيا آخر جعل من محمد علي كلاي يحظى بهذه الشعبية الكاسحة حتى بعد أن اعتزل الملاكمة، حيث أصبح أيقونة ليس للملاكمة فحسب وإنما لاعتبارات إنسانية وحقوقية واجتماعية. فقد سطع نجم كلاي في فترة زمنية حرجة من التاريخ الأمريكي، حيث الحركة المدنية على أشدها حيث مارتن لوثر كنج الزعيم الذي يناضل ضد العنصرية في أمريكا، فالأمريكي من أصول أفريقية، والمثقل بتاريخ العبودية والاستعباد، يجد في هذا البطل أو ذاك نموذجا للانتصار يحاكي رغبته وحاجته للتحرر والانتصار على ظروفه القاسية وضد كل من تسبب له بتعاسته واضطهاده وضد من يبخسه حقوقه ويمتهن كرامته.
هذا الشعور لم يكن بين الأمريكيين من أصول أفريقية فحسب، فهو في الحقيقة كان شعورا يخالج الكثيرين ممن وجدوا في كلاي بطلا ليس في حلبة الملاكمة فحسب، لكنه بطل بين من يناهضون الحرب الأمريكية في فيتنام حيث أصبح كلاي أيقونة لجموع الرافضين لتلك الحرب، وقد دفع كلاي ثمنا لذلك، لكنه في الوقت نفسه كان ينتشل شرائح كثيرة وكبيرة من الهزيمة والانكسارات في وعي وفي اللاوعي سواء كان لدى من يصنفون من الأقليات والمغلوبين والفقراء والمهمشين على رصيف الحياة الأمريكية أو حتى لدى الرجل الأبيض الذي كان ضحية مفرزة الرأسمالية في أوج استفحالها وكثرة ضحاياها.
من زاوية أخرى، كثيرون يجادلون بأن الملاكمة ليست رياضة ولا يجوز أن تصنف كذلك، لما تنطوي عليه هذه الملاكمة من مساس أخلاقي وصحي وثقافي بصحة الإنسان وكرامة الإنسان. هذا الجدل ليس حديثا فبعض الدول منعت الملاكمة تماما منذ سنوات وحظرت بطولاتها ولم تعترف باتحاداتها وأنديتها.
فكما هو معروف لقد تسببت الملاكمة بإزهاق حياة العديد من الملاكمين، وتسببت بإعاقات مؤبدة للعديد من الملاكمين. وقد نظم الأطباء في عدد من الدول حملات مناهضة للملاكمة رافضة أنديتها معترضة على إقامة مبارياتها. كما طالب بحظرها وإسدال الستار بعض السياسيين وجمعيات وفعاليات مجتمعية وثقافية فاعلة.
المتتبع لمسيرة الملاكمة، لم تكن شعبيتها كشعبية كرة القدم مثلا، ولا أعتقد أن الملاكمة بذاتها رياضة تدعو لأن تكون شعبية، نظرا لدمويتها ولما تنطوي عليه من عنف مفرط وإنما شعبية الملاكمة في تقديري تأتي من البطل وما يمثله هذا البطل لشعبه أو لخلفيته الاجتماعية والثقافية أو الوطنية كما هي الحال مع البطل اليمني نسيم حميد، أو الملاكمة تكون وسيلة للتعبير بالوعي أو باللاوعي عن نضال لا علاقة له بالرياضة.
لا أعرف ما إذا كانت شعبية الملاكمة في انحسار ومن غير المعروف نسبة الإقبال على الملاكمة ومنافساتها في هذه المرحلة، خاصة مع تآكل رمزية الملاكمة وظهور رياضات كثيرة أكثر منها شعبية وأقل عنفا ودموية ولا تحمل مخاطر أو مساسا بأخلاق وحقوق وكرامة الإنسان ولا تسيء لمشاعره.
إنني، وبالتزامن مع رحيل رجل السلام البطل محمد علي كلاي، ومن منطلق حقوقي وأخلاقي وقيمي وإنساني ورياضي أناشد مجلس الشورى السعودي بأن يقوم بدراسة حظر الملاكمة وكافة الرياضات المشابهة لها بالعنف والدموية والمساس بكرامة الإنسان فنحن لا ينقصنا عنف وتطرف وإرهاب. كما إنني أناشد المرجعيات الرياضية في المملكة وفي الوطن العربي وفي العالم وخاصة المجلس العالمي للملاكمة والاتحاد الدولي للملاكمة ورابطة الملاكمة العالمية ومنظمة الملاكمة العالمية، أناشد كل هؤلاء و أناشد رأس المال المتورط بهكذا رياضات، وقف هذا العنف ووقف سفك الدم ووضع حد لإزهاق الأرواح ووقف الضحايا المصابين جراء هذه الملاكمة، والرأفة بمشاعر الإنسان وأخلاق الإنسان وقيمة الإنسان وكرامة الإنسان.