لا يكاد الحديث عن الأخطاء الطبية في المستشفيات وغيرها من المؤسسات الصحية ينقضي حتى يبدأ من جديد.. أقول هذا بمناسبة تجدد الحديث عن هذه الأخطاء بعد شيوع خبر المقص الذي نسيه الطبيب في بطن مريض حائل إثر عملية جراحية لا سيما وأن الأمر هذه المرة هو خبر مؤكد اعترفت به إدارة الشئون الصحية بمنطقة حائل وأمر سمو أمير حائل بتشكيل لجنة لدراسة المشكلة والبحث عن أسبابها والمتسببين فيها وإيقاع الجزاء الذي يستحقه كل من تثبت إدانته بالتقصير أو الإهمال لما لذلك من آثار سلبية على سلامة المواطنين وصحتهم.
وفي كل مرة يتجدد الحديث عن الأخطاء الطبية أحسُّ أن مسؤولي الوزارة جميعًا من أدنى درجة في السلم الوظيفي إلى معالي الوزير الذي لا أشكُّ لحظة واحدة بإخلاصه وحرصه إلى جانب عدم مسؤوليته عن الأخطاء التي وقعت قبل توليه المسؤولية.. أحسُّ أنهم جميعًا في موقف لا يحسدون عليه لا سيما أن ذلك يأتي في وقت تتناقل فيه الصحف والمواقع الإلكترونية وغيرها من الوسائط الأخرى أخبار ما يحدث من أخطاء بسرعة هائلة وتسري كما قالوا فيه الإشاعات والأخبار مسرى النار في الهشيم، كما أنه يستحيل فيه لما كان يدعى مقص الرقيب أن يحجب مثل هذه الأخبار أو يحد منها، ناهيك عن أن المسؤولين في المملكة حريصون على الاستماع إلى شكاوى المواطنين والمحافظة على أرواحهم وتوفير كل سبل الراحة لهم ومحاسبة كل من يتجاوز على حقوقهم أو يهمل في أداء واجبه الوظيفي نحوهم في كل الجهات، ولا شك أن وزارة الصحة في مقدمة ذلك بما تمثله خدماتها من ضرورة للمواطنين وما تمثله الأخطاء الطبية أيضًا من أخطار على حياتهم.
الأخطاء الطبية ذاتها لم توفر مادة إخبارية لمن يريدها ويسعى إليها فحسب، بل إن تكرر هذه الأخطاء وفّر من وجهة نظري مخزونًا قصصيًا يمكن أن يعتمد عليه أحد كتاب القصة في بلادنا في كتابة مجموعة قصصية كاملة أو أكثر، فمن قصة تبديل طفلي نجران الذي جعلت التركي سعوديًا والسعودي تركيًا حتى إن الطفلين ما زالا يعانيان ما حصل حتى بعد أن عاد كل منهما إلى أسرته، إلى قصة فتاة جيزان ثم إلى قصة طفلة المدينة ثم إلى قصة زميلنا الثبيتي أيضًا، ثم قصة مقص حائل وليس انتهاءً بقيام طبيب رجل بتوليد امرأة في مستشفى من أكبر المستشفيات التي لا تعجز عن توفير أخصائية توليد نسائية حتى لا يحصل الموقف الذي حصل وتبعاته على زوج المرأة والطبيب وغيرهما.. ولا شك أن لدى كل من يقرأ هذا المقال مزيداً من القصص التي يمكن أن يرويها أو يضيفها.
إن مما يضاعف فداحة هذه الأخطاء أنها تقع في الوقت الذي يضع خادم الحرمين الشريفين وولي العهد وولي ولي العهد وجميع المسؤولين في المملكة صحة المواطنين وسلامتهم في أول اهتماماتهم ويظهر ذلك واضحًا فيما يخصصونه من وقت وجهد وما يأمرون به من ميزانيات ضخمة لكافة القطاعات ذات الصلة بالخدمات الصحية سواء في وزارة الصحة أو المؤسسات الطبية العسكرية وغيرها، وما يتم استقطابه للعمل بهذه الجهات من خبرات طبية تخصصية من سائر دول العالم سواء من الأطباء أو المهن الطبية الأخرى كالصيدلة والتمريض والعلاج الطبيعي وغيرها. كما أنهم يحرصون على وضع الأنظمة التي تكفل التحقق من كفاءة كل من يعمل في هذا المجال من خلال الهيئة السعودية للتخصصات الطبية التي لا يمكن لأحد أيًا كان تخصصه أن يزاول مهنته في المملكة إلا بعد حصوله على تصريح منها يتم قبل منحه التحقق من مؤهلاته وخبراته وتقييم مستواه وتصنيفه تصنيفًا مهنيًا حسب هذه الخبرات والمؤهلات.
على ضوء ذلك كله ونظراً لأن كل المدخلات التي ينبغي أن تكون سببًا لمخرجات ذات مستوى عال يلبي طموح القيادة واحتياجات المواطنين؛ مما يستدعي البحث عن الأسباب مقدمة لإيجاد الحلول المناسبة وأن يكون ذلك من خلال فريق متخصص يدرس هذه القضايا ويبحث عن أسبابها الحقيقية التي قد يمكنني والكثيرون غيري افتراض كثير منها.. دعونا نترك ذلك لما ستكشف عنه الأيام وليكن ذلك دون تأخير حتى لا تتفاقم هذه الأخطاء، فهل نحن فاعلون؟ .