عبداللطيف الضويحي
النجاح ليس مهنة وليس الفشل ثقافة. لا يجدي الاقتصاد من دون عدالة، ولا تكفي لقمة العيش من غير استقرار وسلم وأمن مستديم. ولأن الاستقرار والسلم والأمن لا تكون مؤقتة أو طارئة، فإن صمام الأمان هو الأسرة وليس دائما الفرد شريطة أن يكون هذا التعامل اجتماعيا اقتصاديا مزدوجا، لأن العبرة ليست بالنجاح الاقتصادي الرأسي مع ما يلازمه من فشل اجتماعي أفقي، فاقتصاد الأسرة هو العمق الحقيقي لمفهوم التحول الاقتصادي.
أحيانا لابد من الهدم والبناء في آن واحد لكي يكون هناك طرف ثالث يتعلم من الأخطاء، لأنك تعول على وعيه في بناء الإنسان، لذلك علينا أن نعرف أننا لا يمكن محاربة الفقر المزدوج والبطالة المزدوجة والتشدد المزدوج والعنف المزدوج إلا من خلال تحويل الأسرة إلى صديق للاقتصاد وهدف اجتماعي اقتصادي مزدوج في التنمية.
لا تختلف الأسرة كثيراً عن أي مؤسسة من حيث الوحدات المكونة لهذه المؤسسة والعلاقات بين تلك الوحدات وخطوط الارتباط والاتصال، ناهيك عن الهيكل التنظيمي الذي ينظم كيان المؤسسة وطريقة صناعة القرار رغم أن كل ذلك يتم في الأسرة بشكل غير رسمي.
لست أعرف كم هي الأسر التي تؤمن بمشاركة الأبناء قرارات الأسرة وعملية صناعة القرار وإدخال آليات جديدة والتحول من المركزية إلى النمط اللا مركزي. فالسائد أن السلطة تقليديا هي بيد الأبوين أو أحدهما، فمتى يتم دور الأبناء في حياة الأسرة كأعضاء لهم ما لغيرهم وعليهم ما على غيرهم؟
عانت الأسرة السعودية وتعاني من تيارين متضادين، تسببا أو يتسببان بتمزيق كيان الأسرة ويشلان قدرتها على لعب دورها الحقيقي، أحد التيارين ينزع باتجاه الفردية والفردانية المفرطة وهذا تيار اقتصادي بحت مدعوم بالتشريعات والأنظمة يرى أن الفرد هو أساس المجتمع. تتكون منه كل الكيانات لاعتبارات اقتصادية وصولا إلى المجتمعات الكبرى ومرورا بكل أحجام تلك الكيانات وهو يرى أن العلاقات الاقتصادية هي التي تحكم تلك الكيانات على أساس أن الأصل في الحقوق هي حقوق الفرد في ظل هذا التيار أصبحت الأسرة فقط رابطة دم ونسب عديمة التأثير الاجتماعي والاقتصادي.
التيار الآخر تقليدي اجتماعي لا يرى ضرورة الأسرة وأهميتها في ظل وجود امتدادات عميقة مثل القبيلة. فالقبيلة أو العشيرة هي الامتداد الطبيعي وهي العمق والهوية للأسرة، فلا يرى هذا التيار الأسرة والفرد إلا من خلال القبيلة وبعيون القبيلة، وكل أسرة يجب أن تسبح في فلك القبيلة من منظور هذا التيار، فالقبيلة هي المرجع الأخلاقي والعاطفي والقيمي والثقافي حتى في ظل وجود الدولة.
الدولة مدعوة اليوم ومطالبة بعد كل إنجازاتها ومع توجهاتها الحديثة وخاصة مع الرؤية السعودية 2030، أن تتخذ من الأسرة عنوانا وهدفاً اقتصاديا لتعزيز كيان الأسرة والاستثمار الاجتماعي والاقتصادي والأمني في كيان الأسرة وعمل التشريعات الكفيلة بإعطاء الأسرة الفرصة الكافية لإحداث الثقافة الاقتصادية الصديقة للثقافة الاجتماعية وتعزيزها بما يلزم من التشريعات والتمكين.
فإذا كانت الأسرة هي الأكثر استهلاكا، فلماذا لا تكون الأسرة هي الأكثر إنتاجا، فمن المهم استثمار قدرة الأسرة وتأثيرها في صناعة قرارات الفرد بالنقلة الاقتصادية المنتظرة بما يلازمها من تحول في الوعي لصالح المجتمع الصناعي. فلماذا لا تكون أسماء الأسر أسماء تجارية نسبة لما تنتجه الأسرة كمصنع أو كشركة أو كمؤسسة من منتجات يكون لها اسمها مستقبلا في السوق ومتى تصبح أسماء العائلات ماركات صناعية لكن التحول يجب ألا ينبني فقط على الفرد كأصغر وحدة إنتاج في المجتمع، لأن في ذلك إلغاء للأسرة مع ما تعانيه الأسرة من تجاذبات وتذويب بسبب عدم التعامل معها بالمنظور الاجتماعي الاقتصادي المزدوج.
مطلوب تشريعات تمنح الأسرة -أي أسرة- حق ممارسة الأعمال التجارية، من خلال نظام مختلف عن نظام المؤسسات والشركات المعمول به حاليا، كما أن من المطلوب تشريعات تسمح للأسرة -أي أسرة- بتأسيس صناديق ادخار واستثمار وإخضاع البنوك لهذا التوجه، شريطة إلغاء الحد الأدنى للادخار ورفع العائد من الادخار.