الاحتفاء بتدشين جائزة «التطوع» السعودية يوم الاثنين القادم برعاية كريمة من سمو أمير المنطقة الشرقية ليس مناسبة كغيرها من المناسبات لأسباب تتعلق برمزية هذه المناسبة التي تأتي الرعاية فيها من قبل سمو الأمير ترجمة لما يوليه ولاة الأمرـ أيدهم الله- لهذا العمل، ورؤيتهم الثاقبة لدوره في التنمية الاجتماعية المستدامة والتي هي واحد من أهم الأهداف الاستراتيجية التي تطمح إليها خطط التنمية الشاملة في المملكة وتعمل على تحقيقها، إضافةً إلى ما يمثله العمل التطوعي من قيم أصيلة في مجتمعنا وهي قيم لها مرجعيات شرعية أولاً نظراً لما يأمر به الإسلام الحنيف المؤمنين من أعمال الخير ومساعدة الآخرين وخدمتهم؛ ذلك الاهتمام الذي نجد له أدلة وشواهد في القرآن الكريم كما في قوله سبحانه: «وتعاونوا على البر والتقوى..» وفي الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة..» والكثير غيرها من الآيات والأحاديث.
وإذا كان العمل التطوعي يحتل مكانة مرموقة في المجتمعات الحديثة التي تقدمه على أساس أنه منجز حضاري حديث فهو ليس كذلك في مجتمعنا العربي والإسلامي، وإذا كانت المجتمعات المتقدمة تطلق على العمل التطوعي «القطاع الثالث» أي التالي للقطاعين العام متمثلاً في مؤسسات الدولة وأجهزتها وإداراتها الخدمية للمواطنين إضافةً إلى القطاع الخاص ممثلاً في مؤسسات وشركات هذا القطاع والمسؤولية الاجتماعية لهذه المؤسسات والشركات تجاه المجتمع، وهي بالمناسبة «المسؤولية الاجتماعية» قيمة آخذة في الترسخ في عمل المؤسسات والشركات في بلادنا وغيرها من البلاد النامية حيث بدأت بعض الشركات الكبرى في استحداث أقسام وإدارات للمسؤولية الاجتماعية تقوم من خلالها ببعض الأدوار وتقدم بعض المبادرات لخدمة المجتمع المحلي وتعقد في سبيل ذلك الشراكات وتقدم التمويل والخبرات، ومع ذلك فإن ما يجب ألا ننساه أن هذا القطاع الذي يسمونه القطاع الثالث يمثل في العقيدة الإسلامية المرتبة الأولى أي هو «القطاع الأول» باعتبار الصدقات والزكاة وأن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه مما يؤمر به المسلم ويحرص عليه ويثاب على فعله في الدنيا والآخرة، كما علينا أن نتذكر أيضًا أن الشهامة والفزعة وتقديم العون والمساعدة هي أيضًا قيم أصيلة في المجتمع العربي ما زال أبناؤه الأصلاء حريصين عليها ويعتبرونها من أعمال الرجولة وعراقة الأصل وحسن التربية التي يتصف بها الرجال ويحرصون على التخلق بأخلاقها.
إن رمزية الاحتفاء بالعمل التطوعي علاوةً على أنها تمثل مجموع هذه القيم والمبادئ الأصيلة فهي أيضًا جهد مشكور له أثره الواقع في تعميق ثقافة العمل التطوعي وبيان أهميته والترويج لمشاريعه وبرامجه وهي تعزيز إيجابي يؤدي إلى تعميق هذه الثقافة والعمل على مزيد من هذه الأعمال والتوسع في المشاريع والبرامج واستقطاب الأفراد لاسيما الشباب للمشاركة في الأعمال التطوعية، ونلاحظ في هذا المجال مشاركة كافة مؤسسات المجتمع بما فيها المؤسسات التعليمية وفي مقدمتها الجامعات التي أخذ أكثرها مؤخراً في تكليف الطلاب والطالبات بالمشاركة بساعات محددة في الأعمال التطوعية وشهادة الجهات التي يشاركون من خلالها في هذه الأعمال واعتبار ذلك شرطًا من شروط التخرج في الجامعة، وكذلك اعتبار جهود الأكاديميين والأساتذة في مجال العمل التطوعي سواء بإجراء البحوث والدراسات أو المشاركة في التنفيذ أيضًا من مبررات الترقية إلى درجة أكاديمية أعلى، إضافةً إلى نظرة المجتمع بعين الاحترام والتقدير للمشاركين في هذه الجهود وتكريمهم في مثل هذه المناسبة؛ كل ذلك عوامل مساعدة تعمل على تعظيم العمل التطوعي ومنجزاته وتؤكد دوره في التنمية الشاملة والنقلة الحضارية والثقافية التي تجسدها رؤية القيادة للمملكة 2030 والتي من المؤكد أن يكون لهذا القطاع دور محوري فيها باعتبار تحقيقها مسؤولية كل أبناء الوطن المخلصين وفي مقدمتهم رواد العمل التطوعي ومؤسساته التي هي في الحقيقة قيمة مضافة لجهود تحقيق هذه الرؤية وتستند إلى قيم أصيلة شرعية واجتماعية ووطنية أيضًا.